الجامعات غير مقتنعة بمعايير الجودة والاعتماد الأكاديمي
أصبحت الجودة الشاملة وما يدور في فلكها من معايير محور اهتمام معظم المؤسسات الحكومية وقطاع الأعمال باعتبارها ركيزة أساسية لنموذج الإدارة الجديدة التي تتيح لها مواكبة المستجدات العالمية من خلال مسايرة المتغيرات المحلية والدولية. فإدارة الجودة الشاملة تعتمد على تطبيق أساليب متقدمة لأداء العمل بهدف التحسين والتطوير المستمر وتحقيق أعلى المستويات الممكنة في الممارسات والعمليات والنواتج والخدمات.
ومن هذه المؤسسات الجامعات التي انطلقت لتبني مفاهيم الجودة الشاملة وتطبيقها بهدف العمل على التحسين المستمر في المنتج التعليمي، ومخرجات العملية التعليمية، ورفع كفاءة العاملين فيها، بما يضمن خريجين لديهم المعارف الأساسية التي تؤهلهم للتنافس في جميع المجالات العملية بكفاءة عالية على المستوى العالمي. وقد اعتمدت الجودة على توفير الأدوات والأساليب المتكاملة التي تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية معتمدة على وضع قاعدة عريضة من المعلومات والمؤشرات التي تمكن جميع الإدارات وواضعي القرار من الوقوف على مؤشرات القصور والقوة داخل المؤسسة التعليمية.
وتعتبر الجامعات منظمات تعليمية تحوي موارد بشرية نفيسة من أعضاء هيئة التدريس، والموظفين، والطلاب، والمتعاملين. وقد سعى كثير من الجامعات إلى الاهتمام بالجودة والحصول على الاعتماد الأكاديمي. وقام عدد من الدول بإنشاء منظمات من شأنها الإشراف على الجامعات لمساعدتها بل إرغامها على تطبيق مفهوم الجودة الشاملة.
وحتى يتم تطبيق معايير الجودة والاعتماد في الجامعات لا بد من معرفة المعوقات التي تواجه تطبيقها. يقول Taylor and Bogdan "لكي تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية لتحقيق الجودة الشاملة يجب وضع قاعدة عريضة من المعلومات والمؤشرات التي تمكن جميع الإدارات ومتخذي القرار من الوقوف على مؤشرات القصور والقوة داخل المؤسسة التعليمية". ونريد هنا أن نستعرض أهم معوقات تطبيق إدارة الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي.
يمكن تقسيم المعوقات التي تواجه مؤسسات التعليم العالي في المضي قدما نحو الجودة والاعتماد إلى خمسة أقسام رئيسة وهي: الجوانب التنظيمية، الجوانب التعليمية والمعرفية، وجوانب البحث العلمي، وجوانب خدمة المجتمع، وجوانب القيادة. ويصعب علينا في مقال كهذا أن نغطي جميع هذه الجوانب ولكننا سنستعرض أهمها. أول معوق من وجهة نظري هو ضبابية الفكر الإداري، فيبدو أن الفكر الإداري من الأصل غير واضح لدى القيادات الأكاديمية. أول ما يلاحظ على الجامعة عدم تبنيها الرسالة أو "الأيديولوجية الجوهرية" للجامعة، وعدم وضوح الرسالة يدل على أنها تسير دون هدى ولا تعرف وجهتها. وقد زاد من ذلك توسع الجامعة أفقيا ورأسيا والتركيز على الكم على حساب الكيف. كما أن هناك عدم تقبل من قبل الجامعات لهذه المعايير ويرون أنها فرضت عليها وهو ما أدى إلى عدم إلمام القيادات الأكاديمية بأهمية الجودة وعدم قبوله من الأصل.
ويأتي بعد ذلك أهمية التدريب، فالجامعات غير مدركة لأهمية التدريب وينظر إليه كترف وترفيه وكثير من برامجها التدريبية لا تصب مباشرة في تطوير مهارات الموظفين. كما أن أعدادا كبيرة من موظفي الجامعات لم يتلقوا دورة تدريبية منذ تعيينهم. وهذا ليس مقتصرا على الموظفين بل هناك نقص في تدريب وتنمية المهارات القيادية للقيادات الأكاديمية في الجامعة. طريقة المحاولة والخطأ التي تتبناها الجامعات عند تدريب الموظفين هي نفسها التي تستخدمها عند إعداد القادة عن طريق تمرير بعض الأكاديميين على المراكز القيادية لعدة سنوات. وبهذا يكتسب القائد الأكاديمي خبرته الإدارية والقيادية من الميدان عن طريق التجربة والخطأ فهو لم يعد ولم يدرب ولا يدري من أين يبدأ وإلى أين يتجه، إضافة إلى أن طريقة اختياره من البداية لم يراع فيها فكر المنظمة والسعي نحو تحقيق الجودة ومعايير الاعتماد.
من متطلبات إدارة الجودة الشاملة تفاعل وتعاون جميع منسوبي المنظمة لإنجاح المهمة وهذا غير متوافر في كثير من الجامعات فهي منقسمة على نفسها ولديها صراعات وربط مخرجات الجامعات ربطا مباشرا بسوق العمل لدرجة أنها قد تتحول إلى معهد تدريب. وآخر هذه المعوقات انعدام الخبرات الإدارية والمتخصصين في الجودة والاعتماد، فكل ما يحدث عبارة عن ممارسات لبعض منسوبي الجامعات من سعوديين وغير سعوديين لحين من الوقت ثم يتم نقل هذه الممارسات بكل ما فيها من أخطاء للبقية.
وأين كانت هذه المعوقات؟ يبدو أن جميع معوقات تطبيق الجودة والاعتماد أساسها عدم قناعة الجامعات بمعايير الجودة والاعتماد الأكاديمي. لذا فإن ضعف البرامج الأكاديمية، أو عدم الاهتمام بالبحث العلمي أو الإهمال المتعمد لأعضاء هيئة التدريس، أو أي من هذه المشاكل أعراض لمشكلة أساسية هي عدم قناعة الجامعات بتبني مفهوم الجودة والاعتماد الأكاديمي.
وعدم القناعة هذا سببه من وجهة نظري عدم تفعيل اللجان والمجالس بصورة مهنية نتيجة تبني الجامعات لأسطورة الرجل العظيم أو "القائد الفذ" إحدى الأفكار القيادية التقليدية التي تقوم على بناء القائد لشخصيته وإهمال شخصية المنظمة وتغييب فكرة "المنشأة الرائدة". وفكرة "المنشأة الرائدة" تعني أن القائد يبني منظمته وتكون بداخلها آلية البقاء والمقدرة على التطوير والتغيير الذاتي حتى لو رحل عنها لأنه أنشأ بداخلها خاصية النمو الذاتي وهذه الخاصية غير حاضرة في غالبية مؤسساتنا الأكاديمية.