«صندوق التنمية الثقافية» السعودي .. شجرة مثمرة لم تغرس بعد

«صندوق التنمية الثقافية» السعودي .. شجرة مثمرة لم تغرس بعد

كفعالية وجدوى صناديق التنمية في شتى المجالات، الصناعي منها، والعقاري والزراعي، تتجه الأنظار اليوم إلى الثقافة كأحد روافد التنمية، التي تنتظر أن يتم تأسيس صندوق لها، يهدف إلى تفعيل دورها، والتحول بالمجتمع إلى مجتمع معرفي، تحقيقا لـ "رؤية 2030".
"الاقتصادية" سلطت الضوء على صناديق معرفية وثقافية في المنطقة العربية، وأخرى عالمية، تعد في حقيقتها مؤسسات ائتمانية حكومية متخصصة في تنمية المجال الثقافي، وتقديم قروض حسنة دون فوائد للمستثمرين في هذا المجال.

الصندوق الثقافي الأوروبي
لعل من أعرق التجارب وأكثرها أهمية تجربة الصندوق الأوروبي، فالصندوق الذي تأسس عام 1954م كان هدفه إعادة بناء أوروبا بعد الحرب، باعتبار الثقافة عنصرا حيويا في هذه العملية، ولدورها في غرس الأفكار، وخلق التغيير، وتعزيز دور الثقافة والمحبة والسلام في المجتمعات.
استطاع هذا الصندوق الطموح تكوين شراكات مع المؤسسات والشركات في مختلف أنحاء العالم، التي توفر الأموال والأفكار بدورها لنشر الثقافة والفكر الخلاق، وتسعى للتوعية والمعرفة إيمانا بأهميتها في صحة المجتمع. وبحسب التقرير السنوي للصندوق، ليست كل أمواله هي في سبيل القروض وتمويل المشاريع، بل هناك جانباً للمنح، بلغت 43 في المائة من إجمالي النفقات، أي نحو 2.7 مليون يورو.
وبالمثل، معظم دول العالم، خصوصاً دول العشرين، والدول النامية، تملك صناديق ثقافية، منها ما هو مملوك للدول، وأخرى تملكها منظمات غير ربحية، تسعى لتغيير وجه الثقافة، ونشرها في دول العالم، وصنع فعل ثقافي فريد.

صناديق ثقافية عربية
في مصر، هناك تجربة ثرية لصندوق التنمية الثقافية الذي تأسس قبل نحو 30 عاماً، حيث يقوم الصندوق بدور فعال في تنمية الحياة الثقافية، ومد جسور التحاور الخلاق بين المثقفين والفنانين والجمهور، والكشف عن المواهب الشابة، وتنظيم المهرجانات، وإقامة المكتبات العامة والمراكز الثقافية فى مختلف القرى والأحياء الشعبية.
لكن أحد الأدوار المهمة للصندوق، هي تقديم الدعم المادي للجهات والهيئات والمراكز الثقافية، سواءً أكانت حكومية أم أهلية، لتؤدي دورها في مختلف فروع الثقافة.
في فلسطين أيضاً، هناك تجربة لها طابع من نوع خاص، حيث تم تأسيس الصندوق عام 2004م كأداة رافعة للعمل الثقافي، عبر تمويل مشاريع وأنشطة ثقافية، وتعزيز ثقافة أهل الأرض في مواجهة ثقافة الاحتلال، تقديم المساعدة للمؤسسات والأفراد العاملين في القطاع الثقافي في فلسطين، فيما يدعم الصندوق من حكومات أوروبية.
أما اليمن، فلها تجربة لا تقل إثراءً عن سابقتها، بعد تأسيس صندوق التراث والتنمية الثقافية عام 2002م، الذي تتكون موارده المالية من مخصصات الدولة، ورسوم دخول المتاحف والمواقع الأثرية، وعائدات وزارة الثقافة من معارض الكتاب، إضافة إلى التبرعات والهبات والمساعدات، وأي مشاريع ثقافية إنتاجية تسهم في زيادة موارد الصندوق، ويسعى الصندوق بدوره إلى تشجيع الأنشطة الثقافية والفنية والأدبية والإبداعية، وتحقيق التنمية الثقافية وتعزيز قيم الثقافة الوطنية وصون هويتها وتأكيد أصالتها، والإسهام في إقامة البنى الأساسية للعمل الثقافي، وصيانة الموروث الثقافي، والحفاظ على المواقع الأثرية، وإنشاء وتطوير وصيانة المتاحف، ودعم وتشجيع إقامة المهرجانات الأدبية والفنية، وتشجيع ودعم الأبحاث والدراسات الخاصة بالتراث الثقافي والموروث الحضاري، ودعم أنشطة المنظمات والجمعيات والمراكز الشعبية المتعلقة بجمع وحماية وصيانة التراث الثقافي والحضاري، وكذلك دعم عملية الترجمات وتعريب المؤلفات والدراسات التي تهتم بالموروث الثقافي التاريخي والحضاري لليمن. خليجياً، كان هناك بوادر - قبل سنوات - لإنشاء صندوق ثقافي خليجي، تساهم فيه الدول الأعضاء بأنصبة سنوية متساوية بما يعادل مليوني ريال، لكن المشروع لم يتم تفعيله.

مآرب وأهداف
مآرب الاستثمار الثقافي متشعبة ومتنوعة، تطال الاستثمار في الإنتاج السينمائي، بعد بوادر انفراج أزمة السينما بحسب تصريح رئيس الهيئة العامة للترفيه الأخير عن اقتراب موعد السماح بإنشاء صالات عرض، ومن مآربه أيضاً الاستثمار في التصوير والكتابة والإنتاج، وإقامة المعارض الفنية والثقافية، والبرامج التعليمية، ومراكز التدريب، وحتى الاستثمار في أندية الأدب والفن والكوميديا، وشركات إنتاج المحتوى، إضافة إلى المنح التي ستنفق على ورش العمل، وإنشاء المكتبات، وتنظيم المهرجانات والأيام الثقافية، واكتشاف الموهوبين في المؤسسات التعليمية.
صندوق ثقافي كهذا من شأنه أن يجعل المملكة أقرب من أي وقت مضى إلى "رؤية 2030"، إذ سيوجد قيمة مضافة محلية للاقتصاد الوطني، وسيحقق عائدا استثماريا جيدا للأفراد من خلال التمويل الكلي أو الجزئي لمشاريعهم، وتعزيز الثقافة السعودية في الداخل والخارج، وتحقيق التكامل بين القطاع الثقافي والقطاعات الأخرى، وتقليص البطالة من خلال تشجيع الاستثمار وتوفير فرص عمل.
ولا شك أن للقطاع الخاص دورا مهما في نجاح منظومة عمل الصندوق، إذا ما توافرت الشراكات والدعم اللوجيستي، مثلما توفره صناديق الدولة الأخرى، أو الصناديق العالمية، كما سيكون للصندوق الثقافي دور في دراسة القضايا التي تواجهها الثقافة، وجوانب القصور فيها، وتركيز استراتيجية الصندوق نحو المناطق الأكثر حاجة للاستثمارات الثقافية.

آن الأوان..
يتعامل الصندوق الثقافي مع الأفكار والعقول، ويحولها إلى قيمة وشيء ذي متعة وفائدة للعقل، والمطلوب الآن وجود صندوق يوفر تمويلا مرنا، دون اشتراطات معقدة، أو فوائد قد تعوق تنفيذ المشروع ونجاحه.
ومن شأن صندوق التنمية الثقافية أن يحقق فوائد جمة للاقتصاد الوطني، من خلال تنويع مصادر الدخل، وتوفير فرص عمل للمبدعين والموهوبين، والاستفادة من البحوث الأكاديمية والمعرفية، وتسويق الفكرة وتقديمها بقالب متميز، بما يحقق محاور "رؤية 2030" الثقافية ويسرع من وتيرة إنجازها.

الأكثر قراءة