الحوكمة .. جدار الحماية الأول ضد الفساد
انتشر في الآونة الأخيرة مصطلح الحوكمة سواء على صعيد القطاعين الخاص أو الحكومي كما أشار ولي ولي العهد في أكثر من مناسبة وحديث وشدد على تطبيق الحوكمة على الأجهزة الحكومية كهدف من أهداف "الرؤية"، هذا يزيد بلا شك من الاهتمام بالحوكمة كمفهوم وتطبيق وهو الذي بدأ حديثا ينتشر، لكن ما الحوكمة؟ لا يوجد تعريف علمي معتمد لها لكن نستطيع القول: إنها مجموعة من "النظم" التي تحكم العلاقة بين الأطراف الأساسية في أي منشأة (سواء مجلس الإدارة، الإدارة التنفيذية، الملاك أو المساهمين، العملاء وغيرهم) وتهدف هذه النظم إلى تحقيق الشفافية والعدالة والمساوة ومكافحة الفساد والمسؤولية والمسألة وبالتالي إذا تحققت هذه الأهداف سيتحقق الهدف الأكبر وهو الوصول إلى الأهداف المرصودة من إنشاء هذه المنشأة، لكن أحد أهم المحاور أو أهم هذه النظم هو النظام الذي يحكم العلاقة بين المساهمين -الملاك- وبين الإدارة التنفيذية -الوكيل- بسبب أن الإدارة التنفيذية أو (حتى مجلس الإدارة) وهي المعنية بإدارة الشركة بشكل مباشر ويومي قد تحيد أو تضع مصلحتها فوق مصلحة الشركة ولهذا تأتي أهمية الحوكمة لتتأكد أن "جميع الأطراف" تعمل لمصلحة المنشأة وليس لمصالحها الخاصة.
إن ظهور الحوكمة أتى بعد سلسة من الكوارث والأزمات في الاقتصاد العالمي وانهيارات في كبريات الشركات وكان كثير منها بسبب غياب الحوكمة والشفافية والمسؤولية، بدايتها من نهايات القرن الـ20، ولعل من أشهر حوادث الفساد بسبب ضعف الحوكمة، فضيحة شركة إنرون الأمريكية وتواطؤ مجلس الإدارة مع المدققين الخارجيين والتي نجمت عن أكبر حالات التلاعب في الأسواق المالية وبالنهاية انهيار وإفلاس الشركة بداية هذا القرن، ولعل الشواهد كثيرة خصوصا لدينا في العالم العربي مع العلم أن الحوكمة بدأت تأخذ مجراها كتطبيق وإن كان بشكل لا يرتقي إلى أفضل الممارسات دوليا فما زال كثير من الممارسات تطبق وهي لا تصب في مصلحة الكيانات أو الشركات لكن من المتوقع زيادة الحوكمة في السوق والشركات وزيادة الاهتمام بها والآن بدأ الحديث عن الحوكمة في الأجهزة الحكومية.
من المهم فهم لماذا أصبح الآن ضرورة تطبيق الحوكمة على القطاع الحكومي، إن مراجعة لبرامج "الرؤية" توضح أهمية تطبيق الحوكمة قبل البدء في بعض البرامج ولعل من أهمها الخصخصة، فمن شأن برنامج ضخم كالخصخصة (ويدر كثيرا من العوائد ويمس حاجة الناس بشكل مباشر) أن يتم العمل على بناء أول لبنة في هرمه وهي لبنة الحوكمة قبل أي شيء آخر، والسبب في وضع الحوكمة كأول إجراء وتطبيق هو أن انتقال إدارة منشآت حكومية إلى قطاع خاص قد يترافق معه ضياع لحقوق دولة أو نشوء مراكز قوى وبالتالي بداية فساد فعلية فيجب وضح الحوكمة أولا لتنظم جميع العلاقات بين جميع الأطراف ولتبين كيفية صناعة القرار وكيفية المسألة وتحديد المسؤوليات وبالنهاية وضع الشفافية في كل خطوة وأمام كل طرف وهكذا تسهم الحوكمة في منع الفساد قبل أن يبدأ وتزيد الثقة بكيفية صنع القرارات وعليها تزيد من فرص نجاح برنامج الخصخصة وكل هذا تم ذكره في مقال سابق تم نشره في شهر كانون الثاني (يناير) من هذه السنة بعنوان: "الخصخصة سلاح ذو حدين".
يجب الإشارة إلى أن هناك نوعين من الحوكمة: حوكمة خارجية -البيئة المنظمة للأعمال- مثل الحوكمة المفروضة من قبل هيئة سوق المال وهذه تتكفل بها الجهات الرقابية من سن النظم والإشراف على تطبيق الجميع لها، وحوكمة داخلية وتفرضها نفس المنشأة كإجراءات حوكمة داخلية وهذه تختلف من شركة لشركة حسب رغبة مجلس الإدارة والملاك في تشديد الإجراءات والرقابة وتشرف عليها إدارة متخصصة ترجع إلى مجلس الإدارة وليس إلى الإدارة التنفيذية.
في الختام، هناك فوائد كثيرة لتطبيق الحوكمة للشركات منها: تشجيع المؤسسات على الاستخدام الأمثل لمواردها الاقتصادية، تساعد على تحقيق الاستدامة في النمو، تقلل الحوكمة من تكلفة الديون حيث تهتم المصارف بالشركات ذات التطبيق الأعلى في الحوكمة، تسهل الحوكمة من إجراءات الرقابة والإشراف، تزيد من جاذبية الاستثمار في الشركات التي تطبقها حيث يميل المستثمرون إلى الاستثمار في الشركات ذات التطبيق الجيد للحوكمة وأخيرا تساعد الحوكمة على استقرار أسواق المال عبر تقليل مشكلات التلاعب والفساد في الشركات وبالتالي عدم حدوث مفاجآت كبيرة بسبب اكتشاف فساد في إحدى شركات السوق.