الحياة الائتمانية
"هناك الحياة للمال فقط: بيتك وسيارتك بالتقسيط، تتعلم بالتقسيط، تموت ويسدد ورثتك بقية الأقساط والضرائب". نسمع مثل هذه العبارات عندما ننتقد الحياة الأمريكية والغربية عموما، هي في نظرنا نموذج رأسمالي قبيح. الحرية هناك مجرد غطاء لممارسات مادية استغلالية مزعجة. ولكن، من جانب آخر، نجد أنفسنا نقترب منها كل يوم بشكل أكبر. الحديث عن جدلية النموذج الاقتصادي الأفضل والواقعية الاجتماعية والخلفية الفلسفية لهذه الاختيارات ليس بأهمية الحديث عن جاهزية الأفراد والأسر اليوم لمواجهة التحديات الاقتصادية المتجددة، وكيف تصبح ممارساتهم متوافقة مع الواقع الجديد لكن في الوقت نفسه إيجابية على المدى القصير والمدى الطويل.
الحياة بالديّن ليست ظاهرة جديدة، فقد ارتبطت حياة الإنسان بالدين في مختلف مراحل حياته. لكن الجديد هو نسبة الدين إلى الملاءة المالية الشخصية وكيفية تعاملنا كأفراد مع فكرة الدين عموما. تظهر المشكلة عندما تتعارض أهداف الدائن والمستدين. مثلا، عندما يتحول الدين إلى وسيلة لاستدراج المستهلك نحو شراء ما لا يلزمه، أي مجرد أداة تسويقية تستغل لحصد مزيد من المبيعات، أو عندما يقترض الشخص للسفر الترفيهي ويقرضه آخر المبلغ للكسب. تزداد المشكلة كذلك عندما نسيء التعامل مع توقيت الكسب والصرف، عندما نريد السكن في منزل كبير قبل أن تكبر الأسرة أو نشتري سيارتين والحاجة لم تطرأ بعد إلى حيازة سيارتين.
من وجهة نظر البائع، وخصوصا بائع التجزئة، المستهلك يسعى بجنون خلف أشياء معينة. إذا نجح هذا البائع في فهمها، سيحقق النجاح المنشود. المشكلة أن سلوك المستهلك يتغير، سواء كانت تغييرات مرتبطة باحتياجاته العمرية أو ظروفه الاقتصادية أو تجدد المنتجات وتقادمها. لذلك سيسعى إلى محاربة هذه التغييرات التي تهدده بربط المستهلك معه تعاقديا على فترات طويلة؛ التقسيط وبقية الخدمات الائتمانية تحل جزءا كبيرا من هذه المشكلة.
بعض البائعين وصل إلى مرحلة من اليأس تجعله يتكبد تكلفة التمويل بنفسه، فهو مستعد للتغطية وعرض خدمات التقسيط بلا فوائد فقط ليحقق هدفين: تحريك مخزونه المتجمد والحصول على حصة سوقية أكبر من العملاء. في الحقيقة، قد لا يكون في حالة سيئة جدا، فهامشه الربحي كان في السابق عاليا جدا ما يمكنه من تكبد مزيد من التكاليف دون أن يخسر، سيربح لكنه سينزل بعض الشيء عن سقف توقعاته المعتاد.
البرامج الحكومية كذلك تدعم ماديا للحصول على السكن، وهو دعم تمويلي بلا فوائد في معظم الحالات. عملية الإقراض هنا تضمن إعادة تدوير هذه المبالغ الممولة واستفادة أكثر من شخص من المبلغ نفسه، وهي كذلك تربط إنتاجية الفرد بالدعم الذي يحصل عليه، لأنه سيضطر للعمل والإنتاج حتى يتمكن من السداد، وهذه معادلة منطقية. في نهاية الأمر، تسهم هذه البرامج في زيادة حجم الدين الملقى على الفرد.
هناك شكل آخر من الالتزامات المادية التي قد لا تكون ائتمانية في طبيعتها ولكنها تأخذ كثيرا من خصائصها، وتلك هي الاشتراكات الدورية. اليوم، يشترك كثير من الأفراد في التزامات مادية شهرية مرتبطة بالخدمات الصحية والرياضية وقنوات تلفزيونية والتأمين على الممتلكات وربما بعض التطبيقات على الجوال، ناهيك عن تكلفة خدمات الاتصالات والطاقة. إذا نظرنا إلى توقيت الحصول على الخدمات وتوقيت الدفع، نجد أننا كذلك نتعهد بسداد مبالغ مالية مقابل شيء استهلكناه في الماضي أو سنقوم باستهلاكه في المستقبل. وهذا يصنع لنا رصيدا ائتمانيا سريع النمو، خصوصا إذا تأخرنا في سداده ولو لمرة واحدة.
الائتمان لا يمثل الاقتراض، وإنما تحديدا يقصد بالائتمان الثقة التي يجدها المقرض في المقترض لإقراضه، أو القدرة على الاقتراض. معظم مشكلاتنا ترجع إلى طريقتنا في تعريف الائتمان وتقدير حجمه وقوته. قد تكون النتيجة بالنسبة للمقرض ضياع أمواله "تعثر المقترض" أو فوضى مالية وضغوط نفسية عند المقترض لعدم قدرته على السداد. حتى المقترض، يجب أن يملك القدرة على تحديد قدراته الائتمانية ويحدد بناء عليها السياسة الائتمانية التي يود اتباعها. في عالم اليوم، لا نستطيع العيش بلا ائتمان وجميعنا ينفذ كثيرا من الممارسات الائتمانية، ولكن أسلوبنا في هذه الممارسات هو ما يحدد إن كنا سنحظى بحياة ائتمانية ناجحة أم لا.