سعودة «المولات» .. قرار في الاتجاه الصحيح

لا يمكن لأي مجتمع تحقيق تنمية مستدامة تقوم على سواعد الآخرين، فلا بد أن تعتمد التنمية إذا أريد لها الاستمرار والازدهار على أبناء الوطن، على الأقل في أغلب المهن التي لا تتطلب مهارات عالية، وبالتأكيد مع ضرورة بناء جسور وشراكات فاعلة مع المجتمعات والثقافات الأخرى، والسعي لاستقطاب الكفاءات التي تقدم إضافات نوعية للاقتصاد، وتوفر خبرات مميزة، يحتاج إليها سوق العمل، بخلاف ما هو سائد الآن! فمؤسسات القطاع الخاص تسعى لاستقدام عمالة رخيصة الأجور تمارس أعمالا لا تتطلب تعليما عاليا أو مهارات كبيرة كأعمال البيع في المحال التجارية، والمقاهي، والحراسات الأمنية، ما يضعف الطلب على القوى العاملة الوطنية، ومن ثم يسهم في ارتفاع معدل البطالة.
لقد أثار قرار وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتوطين أو "سعودة" العمل في المراكز التجارية المغلقة (المولات) جدلا واسعا في المجتمع بين فريق مؤيد، يستشعر خطورة البطالة، خاصة بعد ما استعصى تخفيض معدلات البطالة خلال عقد ونيف، على الرغم من إطلاق برامج متنوعة مثل "حافز" و"نطاقات" وغيرهما؛ وفريق متحفظ يخشى التأثير السلبي المفاجئ على "المولات" من جهة، ويعتقد أن هذا القرار سيؤدي إلى انتعاش المحال التجارية خارج الأسواق المغلقة من جهة أخرى. وبصرف النظر عن هذا الجدل والمخاوف المتوقعة، فإن الحاجة ماسة إلى اتخاذ قرارات صعبة، وربما مؤلمة، ولكنها ضرورية، مع أنني كنت أفضل التركيز على مهن أو أنشطة محددة كأعمال البيع بالتجزئة، والاستقبال في الفنادق والشقق المفروشة بصرف النظر عن موقعها داخل "المولات" أو خارجها.
ومما يبرر اتخاذ قرارات حاسمة أن عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص لا يتجاوز 17 في المائة من إجمالي العاملين في هذا القطاع، ويواكب ذلك تزايد في عدد المتعطلين عن العمل، ليقترب من مليون متعطل عن العمل، وذلك بمعدل بطالة يصل إلى 12 في المائة لإجمالي قوة العمل السعودية، وينخفض قليلا بين الذكور إلى نحو 6 في المائة، في حين يرتفع بدرجة لافتة بين الإناث ليتجاوز 34 في المائة، بل يقفز معدل البطالة إلى 41 في المائة بين الشباب الذين تراوح أعمارهم بين (15 – 24 سنة)، ويتجاوز 70 في المائة بين الشابات في هذه الفئة العمرية.
للحد من البطالة عموما، وبطالة الشباب على وجه الخصوص، فإن الأمر يتطلب توافر منظومة من العوامل تشكل بيئة محفزة للعمل، ومنها:
1. توفير النقل العام وتحسين خدماته، حيث يسهل وصول الموظفين من مقار سكنهم إلى أعمالهم بيسر وسهولة، ما سيوفر كثيرا من التكاليف والعناء.
2. إعداد خطة تنفيذية معلنة، تشتمل على جدول زمني واضح، ومؤشرات أداء دقيقة، تضمن تقييم تأثير القرار بعد فترة زمنية، وتمكن من قياس مدى نجاحه بشفافية.
3. إطلاق برنامج تدريبي بالشراكة بين وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومنشآت القطاع الخاص، ويشتمل على حوافز للشركات والشباب على حد سواء.
4. ضرورة تعميم توطين الوظائف في محال تجارة التجزئة، سواء داخل "المولات" أو خارجها، وكذلك أعمال الاستقبال في الفنادق والشقق المفروشة.
5. العمل على تحسين بيئة العمل في منشآت القطاع الخاص من حيث توفير التدريب المناسب، والأجور المجزية، وتطبيق الأنظمة الكفيلة بحفظ حقوق الموظف ومصلحة العمل.
6. لرفع مستوى معيشة المواطنين ينبغي تشغيل العسكريين المتقاعدين الذين لم تتجاوز أعمارهم 60 سنة، خاصة أنهم قادرون على العطاء.
7. مراجعة جهود دعم مشاريع الشباب، إذ ينطبق عليها المثل القائل: "تسمع بالمعيدي، خير من أن تراه".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي