رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


لكيلا نكون ضحايا الصناعة التسويقية

تعد إدارة الأموال وظيفة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها في أي مشروع أو أي تجمع بشري يربطه هدف مشترك مهما كبر أو صغر ومن هذه التجمعات الأسر والعائلات. فلا يمكن لأي أسرة أن تقوم بوظائفها وتحقق أهدافها وتبني ذاتها وتصل إلى طموحاتها من دون توافر الأموال اللازمة لتوفير متطلبات الحياة من ضروريات وكماليات وترفيه وواجبات اجتماعية ودينية. كما أن المال ضرورة لمواجهة الأزمات ونوائب الدهر وبناء أصول لحماية الأسرة من تقلبات الحياة ولمواجهة ما قد تأتي به الأيام من صروف. وليس من الغريب أن نجد أهل المال والاستثمار يشبهون إدارة الأموال بالقلب النابض الذي ينظم حركة الأموال، حيث يشبهون المال بالدم اللازم لحياة الإنسان.
وتنطوي إدارة الأموال على كل ما يتعلق بأموال الأسرة من بداية تخطيط الحصول على المال وانتهاء بطريقة تصريفه. وإدارة الأموال هي الوظيفة التي تبدأ قبل تكوين العائلة وتستمر ممارستها أثناء نموها واستقرارها وتبقى بالأهمية نفسها تقريبا حتى بعد أن يستقل كل فرد من أفراد الأسرة بمفرده ويكون له مصدر دخله. كما أن فلسفة الأب نحو المال تنتقل لا إراديا من الأب إلى الأبناء إلى الأحفاد وقد تكون نظرة الأب إلى المال إحدى القيم التي تميز عائلة عن غيرها.
كما أن المال ضرورة في جميع مراحل الدورة الاقتصادية التي تواجه الأفراد والأسر من مرحلة الانتعاش إلى مرحلة الرواج مرورا بمرحلة الركود فمرحلة الكساد. وهذه وإن كانت من خصائص التقلبات الاقتصادية على مستوى الدول إلا أنها تنطبق على الأفراد والتجمعات البشرية وغيرها.
ولهذا فمهمة تنمية الأموال ومعرفة مصادر الحصول عليها وطريقة تصريفها تعد وظيفة جوهرية لرب الأسرة ولا تتوقع الأسرة أن يقوم أحد بطرق بابها كي يعلمها ويثقفها بطريقة إدارة مواردها المالية إذا لم تسع هي إلى ذلك فكثيرون من حولنا يهمهم أن نبقى جاهلين في هذا الجانب كي يسهل استغلالنا.
ويعتبر التمويل السليم ضرورة لاستقرار ونجاح الأسرة فيجب توفير كمية كافية من الأموال للمتطلبات اليومية ويكون هناك مخزون من الأموال لمواجهة الأزمات وتوافر الأموال أيضا للترفيه والمتطلبات الاجتماعية وغيرها. كما أن المال ضرورة لبناء سكن يضم شتات الأسرة ثم التوسع في الاستثمار العائلي. ولهذا فإن سيولة العائلة "مقدرتها على مقابلة التزاماتها المالية" وسلامة مركزها المالي يعتبران من الأمور الضرورية لاستمرار الأسرة في عطائها وتحقيق أهدافها وتطوير ذاتها دون الحاجة إلى تدخل مؤسسات الدولة أو تكون تحت رحمة المؤسسات المالية من مصارف وغيرها.
ورغم هذه الأهمية للمال في حياة الأسر إلا أن أكبر ما يواجه الأفراد والتجمعات البشرية في عصرنا هذا هو صعوبة الحصول على الأموال وطريقة إنفاقها وقد يكون السبب جهل كثير من الأسر والأفراد بمعرفة مصادر الحصول على الأموال. فالعائلة كالشركة لها مصادر للأموال ولكل مصدر تكلفة، ولذا فدور رب الأسرة يتمثل في التعرف على مصادر الحصول على الأموال وتكلفة كل مصدر إضافة إلى معرفة كيفية إنفاق هذه الأموال. هناك عدة مصادر تقليدية للحصول على الأموال تتمثل في راتب الزوج، راتب الزوجة، الأسهم، القروض، العمل الإضافي. وهناك مصادر غير تقليدية تتمثل في الأصول الثابتة من عقارات ومشاريع إنتاجية، تحصل منها الأسرة على إيرادات مالية غير تقليدية. والأسر الحصيفة هي التي تركز على المصادر غير التقليدية وتقوم بتحويل إيراداتها من المصادر التقليدية إلى المصادر غير التقليدية.
وهذا ينطبق أيضا على قنوات تصريف الأموال. فهناك قنوات تصريف أموال تقليدية مثل المأكل والمشرب، المواصلات، السكن، متطلبات المدارس، متطلبات المناسبات الدينية، متطلبات اجتماعية، التي يمكن أن نتحكم فيها إذا أحكمنا السيطرة على منافذها وتعلمنا متى وكيف وكم ننفق على كل بند. وهناك قنوات تصريف أموال غير تقليدية دخلت مجتمعنا أو بعبارة أصح نحن الذين سمحنا بدخولها وأصبحت تستنزف جزءا كبيرا من مواردنا المالية مثل أعياد الميلاد وعيد الزواج وعيد الحب وعيد الأم والقائمة تطول. وهذه كلها بلا استثناء استنزاف لموارد الأسرة في غير محلها فما إن ينتهي عيد ميلاد الزوجة حتى يأتي عيد ميلاد الابن فالبنت الكبرى فالبنت الصغرى فالابن الآخر ويتخلل كل ذلك عيد ميلاد رفيقات الزوجة، يليه صويحبات البنات وأصحاب الأبناء في سلسلة تستنزف كل ما لدينا. ورغم أن كل هذا ليس من ثقافتنا ولا من ديننا إلا أنها حالة طبيعية نتيجة تقليد الضعيف للقوي.
وأنا هنا لا أتكلم عن الجانب الثقافي أو الديني فلكل رجاله ولكن أركز على الجانب المالي وأضرار هذه العادات الدخيلة وتأثيرها في تصريف أموالنا المحدودة. يجب أن نعلم أن أعياد الميلاد وما يدور حولها وما يشابهها وما أتى قبلها وما سيأتي بعدها ما هي إلا صناعة تسويقية هدفها المبطن استنزافنا ماليا، وقد كنا في غنى عنها حتى أحضرناها ووضعنا لها قيمة حتى أصبحت لدى كثيرين تمثل قيما جوهرية والتزامات مالية تقليدية، ولو استمر الوضع بهذا الخنوع وهذه الانهزامية فقد تكون يوما ما طقوسا ملزمة.
إذا نعود فنقول إن المشكلة المالية للأسر تتمثل في صعوبة الحصول على الأموال وسوء تصريفها فإذا أحكمت الأسر السيطرة على هذين الجانبين فستتغلب على مشكلاتها المالية وستكون ـــ بإذن الله ـــ في منأى عن التقلبات الاقتصادية التي تواجهها. فتعلّم إدارة الأموال الشخصية لم يعد ترفا بل ضرورة من أجل أن نعرف مصادر الحصول على الأموال وكيفية إنفاقها ونبتعد عن تقليد ثقافات أضر بنا اتباعها ماليا وإذا أصر من حولنا على السير مع الركب فلنتعلّم كيف ننشق عن القطيع خصوصا في الجانب المالي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي