الحكمة في إدارة المجالس
رئاسة المجالس ليست بالأمر الهين، خاصة حين يكون عدد الأعضاء كبيرا، فكبر العدد يفرض واقعا صعبا على رئيس الجلسة، لما يوجد من اختلافات في الخبرة، وطريقة التفكير، والإدراك، إضافة إلى أمر مهم ألا وهو المصالح الخاصة التي يحاول كل عضو أن يوجه دفة النقاش لما يعتقد أنه يصب في مصلحته. في مجالس الجامعات، والشركات، وغيرها من الإدارات تظهر نماذج من الأعضاء، يصعب تصور كيف وصلت إلى عضوية المجلس، فالبعض يأتي للجلسة ولم يكلف نفسه قراءة جدول الأعمال، وما فيه من مواضيع، بل يحضر دون إحضار جدول الأعمال معه، ومع ذلك تجده يناقش بصورة تكشف عدم اطلاعه على ما يناقشه، إذ ينكشف من خلال التناقضات التي يقع فيها، فعلى سبيل المثال قد يقول لماذا لم تورد إحصائية لكذا، أو كذا، مع أنها موجودة، لكنه لم يكلف نفسه القراءة.
وإذا تم لفت نظره لوجود المعلومة الإحصائية تجده يلتف على الموضوع، ويثير قضية أخرى تخرجه من المأزق الذي أوقع نفسه فيه، كما أن البعض يمارس سلوكا آخر يتمثل في إطالة الحديث حول نقطة بسيطة، وربما تافهة لا تستحق طول نقاش فيها، وربما يكون الهدف من ذلك لفت النظر إلى ذاته، وإثبات قدرته على تحقيق ما يريد من خلال اتخاذ قرار يتناسب مع مصالحه، أو يتفق مع توجه فكري يأخذ به، ويتسق مع فلسفته، ورؤيته للأمور، إضافة إلى إضاعة الوقت، وإحداث الملل لدى أعضاء المجلس، ومن ثم اتخاذ القرار بالشكل الذي يحقق رغبته.
من السلوكيات في المجالس، ما يحدث من البعض من نقيق يشبه إلى حد كبير نقيق الضفدع، وكم تضايقت من مثل هؤلاء في المجالس، التي أنا عضو فيها، إذ تجده يلتفت إليك ليسأل عن شيء خارج عن الموضوع الذي يناقش، أو يسأل عن شيء له علاقة بالموضوع، لكنه في كلتا الحالتين يشغل الذهن، ويشتت الانتباه، ويصرفك عن متابعة النقاش وآراء الزملاء في الموضوع المطروح للنقاش، وكم تجنبت الجلوس حول هذه النماذج، وكم تمنيت ألا يجلسوا بجواري.
مع إدراك الواقع الذي تكون عليه بعض المجالس، نتيجة التباين الذي يوجد بين أعضاء المجالس، لا يمكن اعتبار التباين سلبيا، إن له جوانب إيجابية، فمشاركة الجميع في النقاش فيه إثراء، وتحفيز على التفكير العميق الذي يجعل الجميع يتناول الموضوع من جميع الجوانب، حتى مداخلات الأفراد قليلي الخبرة يمكن أن تكون لها فائدة، إذ تكشف للأعضاء الآخرين، ورئيس الجلسة النقص المعرفي لدى الزميل، أو في طريقة التفكير.
مقاطعة الآخرين أثناء حديثهم وعدم الاستئذان للحديث، والالتزام بالدور سلوك يقوم به البعض، وكذلك رفع الصوت، وعدم الاستناد إلى أي أساس قانوني، ونظامي في النقاش تمثل خاصية أخرى لهؤلاء، علاوة على المبالغة في عرض الموضوع، والدخول في تفاصيل مملة، وليس لها علاقة، إضافة إلى الإفتاء في كل أمر من الأمور، حتى يخيل لمن يسمعه أنه متخصص في كل شيء.
من الأعضاء من يتصفون بالسلبية، فلا تكون لهم مشاركات تذكر، ويميلون للصمت الذي يصل حد الإطباق، ويتصرفون داخل المجالس بالحذر الشديد، وكأنهم يخشون إمكانية تضررهم، فيما لو شاركوا، وأبدوا رأيهم في الموضوع المطروح للنقاش. في المجالس التي عملت فيها داخل الجامعة وخارجها رأيت كل النماذج، بل إن بعضهم وجوده في المجلس كعدمه، إذ لا يسهم في صناعة قرار بشكل صحيح، إما لعدم مشاركته، أو لافتقاده الرأي السديد، والحكمة، والمعلومة الصحيحة.
كيف يدير من تقدر له رئاسة المجلس بنجاح؟ نجاح إدارة الجلسة يتطلب سعة صدر من قبل رئيس المجلس، ومقدرة على توجيه دفة النقاش بشكل جيد، يسمح للجميع بإبداء آرائهم بحرية، وبلا تردد، ودونما تفضيل لأفراد دون آخرين، كما أن التغافل عما قد يلجأ إليه البعض من محاولة الاستفزاز، وامتصاص المشاعر له دوره في حسن إدارة المجلس، وبما يحقق الأهداف التي تعقد من أجلها الجلسة. القدرة على فهم الآخرين، ودوافعهم تسهم في إنجاح الجلسة، وسيرها في الاتجاه الصحيح، كما أن الحكمة، والروية، وقدرة رئيس المجلس على التحكم في مشاعره خصائص أساسية تسهم في احتواء الموقف، متى ما طرأت أمور داخل الجلسة كخلاف بين الزملاء، وحدة نقاش يخرج الجلسة عن الوضع الطبيعي. النجاح في إدارة المجالس يتطلب خصائص قائد لا مدير، أو رئيس، وكل هذا منوط بالحكمة، فمتى وجدت تحقق النجاح.