هل من رؤية أعمق لأنشطة الإغاثة؟
تمر الأمم بحالة ضعف، وتراجع في كثير من المقومات، أو قوة وشدة بأس وريادة، وأمتنا واحدة من الأمم التي مرت بهذه الحالات، فظهور الإسلام في جزيرة العرب قوَّى شوكة العرب، والمسلمين، حتى أصبحوا سادة العالم لقرون، وامتدت الدولة الإسلامية إلى ما وراء نهر السند شرقا، وإسبانيا غربا، حيث أسس المسلمون دولة الأندلس، إضافة إلى الممالك في الشرق، كما وصل المسلمون إلى قلب أوروبا التي دخلها الإسلام.
نظرة شمولية على خريطة العالم تكشف لنا الانتشار الواسع للإسلام، والأثر الذي أحدثه المسلمون الذين استوطنوا الديار التي وصلوها في سعيهم لنشر الإسلام، أو سعيهم للرزق، والتجارة، وما الوجود الإسلامي في إندونيسيا، والصين، وجزر المالديف، وإفريقيا وغيرها من دول الشرق إلا مثال على الحيوية، والهمم العالية التي تمتع بها آباؤنا ليبلغوا ما بلغوه من مجد، وعزة لدينهم، ومن منجزات حضارية لم تكن لتتحقق لولا الإشعاع المعرفي الذي أحدثه المسلمون في أوروبا، حين أخذت العلوم، والمعارف من مسلمي الأندلس، حيث كانت البعثات الطلابية تفد إلى معاقل العلم، والمعرفة، لتجد البعثات الترحيب.
آلاف الكتب نقلت من الأندلس إلى أوروبا، عدا ما تم إحراقه، نتيجة الحقد الذي عامل به الصليبيون من جاء ليخرجهم من الظلام الدامس، والجهل المطبق الذي كانت تعيشه أوروبا، حتى أن المسلمين بمؤلفاتهم، ونظرياتهم تمكنوا من تغيير واقع أوروبا لتصل إلى ما وصلت إليه في الوقت الراهن من تقدم تقني، وتطور صناعي، ونمو حضاري، وأدوات إنتاج متقدمة جعلت منها مركز إشعاع بدل حالة الجهل، والتخلف.
سنة الله في الخلق لا تتبدل، وما حدث لأمتنا من تراجع، بل تخلف لا يمكن إنكاره، فشواهده كثيرة، سلوك وتعامل مع الآخر، وغياب لسلم الأولويات، وإهمال لعوامل القوة، والتركيز على المظاهر، وانتشار الجهل، وتفشي البطالة، مع ما تتمتع به معظم أوطان العالم الإسلامي من مصادر طبيعية، كالأنهار، والمعادن، والأرض الخصبة، وفقر ينتشر بين كثير من المسلمين، فما إن تزول كارثة جوع من بلد إسلامي إلا ويحل الجوع، والمسغبة في بلد آخر، بل إن المسلمين أصبحوا مهجرين من أوطانهم ليتفضل عليهم الآخرون باللجوء عندهم.
في كل نازلة تهب الأمة لنصرة إخوانها في هذا البلد، أو ذاك، ويتنادى المسلمون للمساعدة بما يجودون به، وبما يستطيعون لإنقاذ إخوانهم ممن تحولوا إلى هياكل عظمية، والموت يحاصرهم كما هو حادث في الصومال هذه الأيام، إلا أن المشاعر الخيرية لا تكفي وحدها، بل لا بد من تخطيط علمي، ذي نظرة شمولية تسهم ليس في إنقاذهم من الجوع، والموت فقط، بل لا بد من برامج تأهيل للحياة، كي يعتمد الناس على أنفسهم، وجهودهم في مستقبل حياتهم، ولعل في المثل الصيني القائل لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصيد السمك، حكمة بليغة في الحياة، حتى يكون الفرد المسلم منتجا بدل أن يعاني الفقر، والجوع. الدول المتقدمة تقدمت بالعلم والمعرفة، وما لم تبذل جهود لنقل المسلمين من حالة الجهل، والأمية سيستمر التخلف، والأمراض، والجوع تتناوب على الأمة.
الصومال من الدول التي يضربها الجفاف بين فينة وأخرى لقلة المطر، ما يتسبب في موت المواشي، وتوقف الزراعة، وهذا ينعكس على الناس في معيشتهم ليضربهم الجوع، وتصيبهم الأمراض، ويموت كثيرون، نظرا للفاقة الشديدة.
أدرك أن العمل الإغاثي يفترض أن يتوجه بداية لإنقاذ الناس من الموت جوعا، لكن أرى أن حفر الآبار في أماكن التجمعات السكنية، والمعرضة للجفاف يمثل أولوية لتفادي تكرار مآسي الناس في تلك البلاد. ويقاس ما يحصل في الصومال على بلدان أخرى، وذلك بعد دراسة أوضاع كل بلد على حدة لمعرفة أسباب المصائب المتكررة، واستثمار مواطن القوة في الوطن لمساعدة أهله من خلال هذه المصادر.
منظمة التعاون الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وجامعة الدول العربية بإمكانها القيام بدور الدراسة لأوضاع المسلمين في كل أنحاء العالم، مع ضرورة التنسيق بينها، بدلا من تكرار الجهود، وزيادة النفقات، إذ لا يليق بأمة تسيطر على أهم الممرات الدولية التي تربط الشرق بالغرب، وتخترق أراضيها أنهار عدة، وأرض خصبة، إضافة إلى البترول، والمعادن، ومع ذلك تعاني المحن، وما إن تزول نكبة مجاعة، حتى تحل نكبة أخرى أكبر منها.
لم تعد الأمة في وضعها الراهن مؤهلة لقيادة العالم، كما كانت في السابق، وكما يتمنى كثيرون، بل أصبح الحلم، والطموح أن تزول مآسي الأمة، والويلات، والمحن التي تمر بها، وتبرأ الجروح الغائرة، بفعل السياسات الهوجاء، والخلافات على أبسط الأمور.