الدولة و«أرامكو» .. وتعظيم المكاسب
كما كان متوقعا، صدر الأمر الملكي بتحديد سعر ضريبة الدخل على الوعاء الضريبي للمكلف الذي يعمل في إنتاج الزيت والمواد الهيدروكربونية وفق شرائح تحدد بواسطة إجمالي الاستثمارات (إجمالي القيمة المتراكمة للأصول الثابتة والأصول غير الملموسة دون خصم الاستهلاك والإطفاء) وعليه تم التعديل على النظام السابق، حيث إن سعر الضريبة كان موحدا بغض النظر عن حجم الاستثمارات ولهذا تم اعتماد تخفيض الضريبة لمن لديه استثمارات تجاوزت 375 مليار ريال (100 مليار دولار) لتصل إلى 50 في المائة.
الشركة الوحيدة التي تدخل في هذه الفئة هي "أرامكو"، ولذلك تم التعديل ليتوافق مع المعيار العالمي، وكي يساعد تقييم "أرامكو" ليرتفع وهو كم سبق أن تناولته في مقال سابق أن "أرامكو" بهيكلة التكاليف (السابقة) لن ترتفع قيمتها لما هو مخطط لها بسبب أن نتائجها المالية لن ترتقي لطموح المستثمرين بالقيمة التي خططت الدولة لطرحها وعليه ولأجل رفع قيمة التقييم يجب أن يتحسن صافي الدخل للشركة وكي يتحسن صافي الدخل يجب تخفيض التكاليف والطريقة الوحيدة لتخفيض التكاليف بطريقة كبيرة هي تخفيض الضريبة وكما كان متوقعا تم التخفيض من 85 في المائة إلى 50 في المائة، الآن وبعد التعديل سيكون مستوى الأرباح الصافي للشركة كبيرا.
كلما تقدم الوقت ومع مزيد من الأخبار وزيادة مراجعة شركات البحوث والمصارف الاستثمارية للوضع ومع تزايد الاهتمام العالمي اليوم وغدا بالاكتتاب العظيم والأكبر اقتربت التقييمات من الواقع والحقيقي ولن تبتعد عن السعر الذي سيعلن وبالتالي معرفة القيمة الحقيقية لـ "أرامكو".
هنالك الكثير من المكاسب فيما يخص تحويل "أرامكو" إلى شركة مساهمة عامة ومدرجة في الأسواق ولعل من أهمها زيادة الحوكمة والشفافية لكن الأهم "اقتصاديا وماليا" هو زيادة كفاءة الشركة وبالتالي تحسين هوامش الربحية وتحسين أدائها وكما هو معلوم إذا أردت أن تختبر أو تزيد كفاءة إدارة شركة وبالتالي الشركة ككل ضعها في مواجهة السوق وحولها إلى مساهمة عامة وبعدها راقب النتائج وهذا هو المطلوب الآن فبعد طرح "أرامكو" ستبدأ أعين الجميع مساهمين، مستثمرين، محللين ومديري استثمار في مراقبة تطور النتائج وتحليل القوائم المالية ومقارنتها بمثيلاتها حول العالم وإصدار التوقعات للنتائج لكل ربع ولكل سنة، وهو موقف يضع الإدارة التنفيذية للشركة تحت مطلب تحسين الأداء والسعي الدؤوب للارتقاء لطموح المستثمرين الذي لا يتوقف، وعند حدوث هذا التطور سنتوقع كمتابعين أن تتحسن هوامش ربحية الشركة خلال السنوات المقبلة عما كانت عليه في الفترة الماضية طبعا بعد استبعاد تأثير عامل الأسعار للنفط في هوامش الربحية.
أعتقد أن أكبر الكاسبين من عملية الخصخصة هي الدولة والشركة نفسها وذلك على المدى الطويل فمن خلال تخفيض الضريبة وبالتالي رفع قيمة "أرامكو" ستحقق الدولة قيمة كبيرة من الأموال من خلال عملية البيع وهو ما يضمن استفادة الدولة من كامل العملية وفي الوقت نفسه ستستحق 95 في المائة من الأرباح بصفتها هي المالكة لهذه الأسهم و5 في المائة هو ما سيذهب للمستثمرين الآخرين، بمعنى آخر، أن نسبة ما ستتنازل عنه الدولة (واقعيا) كنتيجة لتغير الضريبة من الأرباح لمصلحة المستثمرين حسب الطريقة الجديدة مقارنة بالقديمة لن يتعدى 1.75 في المائة فقط وكي تتأكد قم بالحساب بنفسك.
إن التنازل عما هو أقل من 2 في المائة من الأرباح لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يثير القلق بل على العكس مقارنة بقيمة النقد المتحصل من عملية البيع سيعتبر مكسبا كبيرا لمصلحة الدولة خصوصا إذا ما نجحت "أرامكو" في تحقيق التقييم المتوقع 7.5 تريليون ريال. فإن المتحصل من عملية البيع سيكون في حدود 187 مليار ريال وهو مبلغ كبير ويتعاظم النفع والمكاسب إذا ما أحسن استغلال هذا المبلغ في عمليات استثمارية داخل المملكة في مشاريع ضخمة لتولد الوظائف وتزيد الناتج المحلى غير النفطي وتعطي المعنى الحقيقي لتنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط وتعطي عوائد من الاستثمارات تفوق عوائد الـ 5 في المائة من "أرامكو" لو تم الاحتفاظ بها وهذه تم ذكرها سابقا في مقال خاص بكيفية الاستفادة من عملية بيع حصة من "أرامكو".
في الختام لكل من تخوف وقلق من تأثر إيرادات المملكة بعد عملية البيع وتخفيض الضريبة أقول لهم لا تقلقوا فلن يقلل ذلك من إيرادات الدولة إلا نسبة ضئيلة لا تتجاوز 2.5 في المائة فقط من إجمالي الأرباح لمصلحة المستثمرين، ومن ناحية أخرى ستدخل إلى خزانتها مبالغ كبيرة من النقد ستوجه للاستثمار داخل البلد بدل الإنفاق على التشغيل الذي لا يولد وظائف أو يعطي قيمة مضافة للاقتصاد وهو ما يصب مباشرة في مصلحة الوطن وتنمية إيراداتنا وتنويعها بعيدا عن النفط وهو المطلب الذي كان الجميع يطالب به في السنين الماضية، فصبرا فستتكشف لكم نتائج هذه الخطوة في المستقبل ـــ بإذن الله.