الموقف من التحول بين المنتج والمتقاعس
أذكر حديث مواطن كويتي أيام احتلال العراق للكويت عام 1990 وهو يقول بعد أن عانى التنقل بين الدول ومطاراتها وهو محروم من العودة إلى بلاده قبل تحريرها "لو ترجع لنا الكويت خياما لنسكنها ثم نعيد تعميرها من جديد".
ما ذكرني بحديثه ما نمر به من ظروف اقتصادية ومتغيرات دولية تتطلب تحولا في هيكلة إيرادات الدولة وهيكلة الاقتصاد لمعالجة معادلة إجمالي الناتج المحلي الذي يشكل النفط النسبة الأكبر منه، ولتوزيع المهام الاقتصادية بين القطاعين الحكومي والخاص والأفراد بشراكة غير مسبوقة لتحقيق الاستدامة الاقتصادية والمالية والخروج من ضائقة الارتهان للنفط المتذبذب الأسعار، وهو ما أعلن في "رؤية المملكة 2030" وما ترتب عليها من قرارات وتدابير لرفع الإيرادات وخفض التكاليف وترشيد الإنفاق.
والمواطن الذكي المنتج يرحب بالتحولات والتغيرات التي تقوم على رؤية بعيدة المدى تستشرف المستقبل وتستعد له بخطط تحول استراتيجية لاغتنام فرصه وتجنب مخاطره، ومن ثم يدرك تفاصيلها ويعمل على مساندتها بعقلانية ودون أنانية بموقف إيجابي يؤمن بأن التغير من نواميس الكون حتى في نفسه، وأن المرونة والتخطيط والتهيؤ للتغيرات والتعاطي معها بإيجابية السبيل الأمثل لدعم مسيرة التحول لمواجهة التغيرات واستثمار الفرص الجديدة التي تنشأ بسبب التحول.
لنأخذ مثالا التحول في الإعلام من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الرقمي حيث نجد أن الإعلاميين وكذلك المؤسسات الإعلامية التي استشرفت المستقبل منذ بزوغ الإعلام الرقمي وقامت بخطط التحول رغم آلامها وما تتطلبه من جهد فكري وجسدي ومالي استطاعت القفز إلى الواقع الجديد واستثماره مبكرا وتحقيق مكاسب كبيرة فاقت المكاسب التي تحققها من الإعلام التقليدي في حين أن كل من تقاعس وأنكر التغيرات المستقبلية كما ونوعا تخلف عن الركب وأصبحت معاناته أشد من المعاناة التي كان يجب أن يتحملها في مرحلة التحول لو أنه قام بها في الوقت المناسب، ولدينا أمثلة كثيرة لشباب سعودي أسس علامات تجارية قوية في مجال الإعلام الرقمي وحقق إيرادات كبيرة بتكاليف محدودة وما زال كثير منهم يتابع بشكل حثيث كل التغيرات في مجال الإعلام الرقمي وتطبيقاته ليتحول وفق التغيرات بمرونة وسلاسة ويسر.
إن الارتباط بالوطن يتجاوز القضايا الاقتصادية فالناس ترتبط بأوطانها لاعتبارات عدة عقلانية وعاطفية واجتماعية ونفسية وأمنية ومن خرج من داره كما يقول المثل قل مقداره، نعم يقل مقداره ويعاني نفسيا واجتماعيا وإن كثرت أمواله فلا مثيل لموطن الأجداد والآباء والأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء والمواطنين الذين يشاركونك الهموم والاهتمامات والثقافة، ولذلك فالحل الأمثل لمواجهة المتغيرات بفهم مبررات التحول لمواجهة متغيرات الغد والمشاركة الفاعلة في مرحلة التخطيط والدعم والمساندة بأي مستوى من مستويات ذلك لننعم جميعا بوطن يجمعنا ويحمينا ويوفر لنا بيئة معيشة كريمة ويمكننا من تحقيق أحلامنا وطموحاتنا.
أذكر أن أحد الأصدقاء شبّه الهروب من الوطن أو التقاعس عن خدمته وقت الأزمات بالتولي يوم الزحف أو التقاعس والتثاقل إلى الأرض وقت مقاومة ومجاهدة الأعداء، حيث قال إن الوطن كما الأسرة يعطي وقت الرخاء والانتعاش وعلينا أن نعطيه ونسانده وقت الشدة والضيق، ونحن ولله الحمد والمنة لم نصل إلى درجة الضيق والشدة وإنما رأت قيادتنا الرشيدة أن التغيرات المقبلة ستكون شديدة الأثر في البلاد ما لم نتحول من الآن لمواجهتها من خلال رؤية استراتيجية طويلة المدى تشتمل على عدة برامج للتحول الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
أحد ملاك الشركات قال لي خارج البلاد لتنويع استثماراتنا وهذا من التحوط ولكن تبقى بلادنا موطن أجدادنا وآبائنا ومرتع طفولتنا وشبابنا هي المكان الأكبر لاستثماراتنا ولذلك قمنا بتشكيل فريق عمل استراتيجي نمده بالمعلومات الحديثة الدقيقة الشاملة أولا بأول بشأن التحولات وبرامجها وأنظمتها ليتفهم التحول من جذوره ويحلل الأوضاع الحالية والقادمة ويشخصها ومن ثم يضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية لإعادة بناء النماذج الاستثمارية وهيكلة الاستثمارات والإيرادات والتكاليف لاغتنام الفرص ومواجهة التحديات ومساندة الدولة من خلال لجان الغرف التجارية والصناعية ومن خلال المؤتمرات والمنتديات واللقاءات والعلاقات في تحقيق خططها بالمقترحات والمرئيات والدراسات، فالتعاون هو السبيل الأمثل للتحول، والسلبية والتقاعس والتذمر ليسا حلا بل تعقيدا للمشاكل، ولقد وجدنا كل ترحيب واستماع من المسؤولين المعنيين.
أحد المسؤولين في إحدى الوزارات يقول لا شك أن الوزارة تحولت إلى خلية نحل عاملة منتجة، ولا شك أن الكفاءة والإنتاجية في تحسن مطرد، ولا شك أن الكفاءات البشرية بدأت تتخذ مواقعها الصحيحة على حساب ما كان سابقا حيث كانت المحسوبيات والعلاقات أساس الاختيار والترقي، ويؤكد أنه وإن انخفضت المكافآت والبدلات إلا أن الغالبية العظمي تعرف أن ذلك أمر لابد منه وأن على الجميع التأقلم مع الظروف الاقتصادية التي تمر بها بلادنا.
وكلي ثقة بأن المواطن سينحاز إلى جانب المنتجين ويتخذ موقفا سلبيا من التقاعس والمتقاعسين وأنه لن يلتفت إلى الأصوات السلبية وإن تعالت نبراتها.