شهيد العلم
منذ بدء الخليقة لعب ذلك الكائن الصغير أدوارا كثيرة ومتنوعة فهو بطل وشهيد العلم في حالات عندما يكون متقوقعا هو وبقية أقرانه في قفص داخل معمل عينيه الصغيرتين ترقبان ماذا سيحل بهما من هذا البشري الواقف بعدته وعتاده جوار القفص ومستقبله معلق بهذا الكائن الصغير، وما هي إلا لحظات ويبدأ تجاربه فيحقن من جهة ويسحب من أخرى حتى يخبو نور عينيه ثم يفارق الحياة شهيدا!
ولا يعرف هذا المشهد إلا من دخل إلى معامل الأبحاث فهذا الشهيد أو "الجرذ" كان سببا في علاجك ومعرفة مسببات أمراضك وحقل تجارب لفعالية أدويتك، فهو من أقرب الكائنات شبها بك تكاد جيناتكما تتطابق فقد تم تعيين جينوم الفأر قبل تعيين جينوم الإنسان، وأصبح كلاهما في عام 2003 معروفا بالتفصيل.
يقول فرانسيس كولينز المشرف على مشروع الجينوم البشري في كتابه The Language of God إن مقارنة الجينوم البشري بجينوم الفأر يبين أنهما بالتقريب متماثلان!
وفي الحالات العادية تجد علاقته مع الإنسان علاقة كره وعداوة على رغم تاريخهما المشترك الذي وصفه كثير من الكتاب بتوأم الإنسان! لكنه تاريخ حالك السواد يتفنن فيه الإنسان بالبحث عن وسيله لقتله والتخلص منه.
هذه العلاقة المتوترة من منقذ إلى ضحية، وكذلك تاريخ حياة الجرذ والفئران عموما التي أفردت لها الكتب منذ قرون دفعت بمجموعة من الأشخاص في مدينة مالموم السويدية إلى افتتاح أغرب مطعم ومتجر في العالم لا تتجاوز مساحة كل منهما 70×30 سم زبائنهما من القوارض فقط وهما مطعم توبولينو ومتجر نويكس دي في!
زيّن المتجر والمطعم بديكورات مبتكره وكراسي وطاولات تتناسب مع حجم القوارض، وزادوا مطعمهم غرابة بقوائم الطعام المحببة لدى الفئران التي تمكنهم من اختيار ما يرغبون في تناوله. فهناك قائمة للمكسرات وأخرى للجبن، إلى جانب أن المتجر يتميز بتصميماته الداخلية المذهلة وملصقات لحفلات مخصصة للفئران في الخارج وبرامج ترفيهية يقيمها المطعم لزبائنه اللا بشريين!
لفت هذان المكانان أنظار السويديين والسياح ودفع بكثير منهم لالتقاط الصور لهذا العمل الإبداعي الذي لم يكشف صاحبه عن هدفه من ورائه.
وبعد النجاح الباهر بدأت المجموعة الفنية في وضع مزيد من اللمسات على المكان بوضع الجبنة وهدايا الميلاد، وموقف الباص الخاص بالمطعم!
ولكن البشر لم يتركوهم في حالهم، وفي ليلة رأس السنة تم تخريب المحلين، الأمر الذي دفع الشركة لنشر صورة لعربة مصغرة للفئران لها نافذة وفيها ضوء للإعلان عن مشروع آخر للجرذان سيرى النور قريبا!