هيئة السياحة .. وسحر الرقم 19988
في الأسبوع الماضي عرضت مقارنة في حالة فقدان الحجز بين فندق في مدينة دبي وفندق في مدينة الرياض، وكانت المقارنة تتضمن حالة تعرضت لها شخصيا في أحد فنادق الرياض، وللحقيقة فإنني لم أكتب تلك المقارنة من أجل الشكوى أو كي أتشرف باتصال من الهيئة العامة للسياحة والآثار، بل فقط كي أقدم رسالة واضحة أن صناعة السياحة في المملكة ما زالت تحتاج إلى الكثير، وهي أكثر الصناعات الواعدة جذبا لرؤوس الأموال وإيجاد الوظائف للشباب، فإن الظاهرة العامة اليوم لم تزل تشكل تحديا كبيرا في إيجاد ثقافة السياحة واقتصادها. لم يزل كثير منا لا يستطيع المقارنة بين القيمة والخدمة، بمعنى آخر فإن الخدمات التي تقدمها لك مؤسسة في الشقق المفروشة قد لا تختلف كثيرا عن الخدمات التي يقدمها لك فندق خمسة نجوم، طالما نحن ننظر إلى خدمة الإيواء والنوم فقط، لكن ما أدفعه لفندق خمسة نجوم يفوق ما أدفعه لشقق مفروشة عادية بأضعاف مضاعفة، وفي ظل عدم قدرة الفنادق خمسة نجوم على تفسير الخدمة مقابل القيمة فإن الصناعة ككل تفشل حتما في تفسير وجودها.
بعد أن نشرت "الاقتصادية" مقالي في الأسبوع الماضي تشرفت في اليوم نفسه باتصالات من الهيئة العامة للسياحة والآثار، وقد دار الحديث حول الرقم 19988 الذي كان يمكنني من خلاله رفع الشكوى إلى الهيئة التي ستقوم فورا بإرسال مندوبيها للفندق للتحري حول الموضوع، ولأنني أكدت أن الرقم لم يكن موجودا في أي ركن من الفندق حتى أتنبه له، ولم أكن أعرف بوجود الرقم قبل اتصال الهيئة، ولعل ذلك يعود إلى قصور عندي وعدم المتابعة، لكني واثق بأني أمثل عينة من هذا المجتمع ممن لا يدركون وجود الرقم ولا تأثيره وسحره وأهميته. إذا اتصلت بالرقم سيتم تحويلك إلى موظف مختص، سيتولى أخذ الشكوى فورا وبالتفصيل، وسيتم التعامل مع الفندق الذي سيقوم حالا بمعالجة المشكلة إن كنت على حق. وتبقى هنا مسألة شائكة أحببت طرحها اليوم.
فعلى الرغم من أنني أتقدم بالشكر الجزيل للهيئة على تجاوبها، لكن كما أشرت سابقا فإنني دائم السفر، خاصة إلى مدينة الرياض بحكم العمل، ومع تنقلي بين الفنادق لم أجد فندقا يضع هذا الرقم في مكان بارز، في مكان يشجعني على الاتصال أو على الأقل يشعرني بحقي في الاتصال، وفي دول أخرى تهتم بالسياحة كصناعة تعرف بأن خطأ فندق واحد قد يتسبب في تشويه صناعة بأكملها، ولهذا تصر على منح السائح شعورا بأن هناك من يراقب ويهتم بكل شؤونه ويمكنه التواصل مع هؤلاء المهتمين به في أي وقت، ما يمنحه شعورا غريبا بالانتماء وشعورا بالثقة والأمان، وهذا أهم عناصر نجاح السياحة في أي بلد، ذلك الشعور العميق بالراحة والأمان والرضا. من المدهش أن تجد منتجعات عالمية في دول فقيرة وهي تغص بالزوار، على الرغم من أن مستوى الرفاهية المقدمة ليس كمثلها في بلاد أخرى، لكن تظل مسألة الشعور العميق بالراحة والأمان وكل المعاني التي يقدمها السكن والإيواء مسألة يمكن المنافسة عليها بقوة في صناعة السياحة حول العالم. إن فقدان هذا الشعور سيجعل أكبر فنادق الدنيا وأكثر المنتجعات رفاهية مجرد مبنى مهجور، ولكم شاهدنا مثل هذا النموذج البائس. وإذا كنا في المملكة نعيش كل معاني الأمان والثقة بفضل الله أولا، ثم بفضل ما توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن نايف لمسألة الأمن، فإن رقما مثل 19988 في مكان بارز من الفنادق ومراكز الإيواء المرخصة سيكون له وقع السحر على صناعة السياحة في المملكة.
نحن نعاني مسألة الأسعار، وليست كلمة السعر مطلقة هنا، بل مقارنة بين ما يجب تقديمه من خدمات وما يتم دفعه في مقابلها، وإذا كان التفاوت في الأسعار أمرا طبيعيا لأغراض المنافسة فإن الخدمة مقابل السعر أمر لا يمكن التفاوض عليه أبدا، ووجود رقم 19988 في مكان بارز من كل مركز إيواء وفندق ومنتجع هو بمنزلة قوة تفاوضية إضافية لكل سائح أو زائر، إن مجرد النظر إليه والتهديد به سيجعل من يحاول التلاعب بالسعر بطريقة تفوق ما يقدمه من خدمة في وضع تفاوضي ضعيف. وفي المقابل فإن الوضع التفاوضي القوي للسائح بسبب هذا الرقم يجعل الفندق يبذل جهدا كبيرا في شرح الخدمات وتقديمها وتشجيع الزائر على استخدامها بدلا من الاستهتار بالناس أو التعامل بتعال لا مبرر له. لهذا كله يجب أن تعمل الهيئة على إجبار جميع الفنادق على وضع الرقم 19988 في كل أركان الفندق وغرفه وأمام مكتب الاستقبال، كما أضعه الآن في كل أركان هذا المقال.
ليس هذا فحسب، بل من المهم أن تكون ردة فعل الهيئة العامة للسياحة سريعة جدا، بمعنى ألا يتم الانتظار حتى اليوم التالي لتقييم الاتصال وموضوعه ومن ثم إرسال المندوب، بل لا بد فورا من التواصل مع الفندق، ليشعر المسؤول في الفندق بأن المسألة قد تتطور إذا لم يتم حل المشكلة فورا، وهذا يتطلب تمكين الهيئة ومندوبيها من حق القرار في أي وقت ولديهم طريقة ما لتقييم الموقف. وهناك تجارب دولية واسعة في ذلك. من المهم أن يتم تعزيز الموقف التفاوضي للسائح، وتعزيز شعوره بالأمان وهو يزور هذه البلاد أو أي مدينة فيها، وأن هناك من يهتم به، وحتما سيتمكن من حل مشاكله في السكن والإيواء مهما كانت صعوبتها، وكما أشرت أعلاه ومع بقاء العوامل الأخرى ثابتة فإن ذلك الشعور العميق بالأمان والثقة هو الذي يجعل دولة ما تعج بالزوار ودولة أخرى تفتقد لهم، وإن تعزيز وظائف ودور الرقم 19988 سيكون له مفعول السحر على السياحة في المملكة.