رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


البحث عن القدوة

الاقتصاد تقليديا يهتم بالسياسات العامة الكلية أو الجزئية ويوظف الأرقام أحيانا لإعطاء طابع علمي للموضوع، ولكن القاعدة الثقافية والمعرفية أهم خاصة في حالة التحولات. هناك عدة أقطاب اجتماعية لم تعط حقها مثل القدوة ودرجة الثقة بالمجتمع والنظرة للتعليم وغيرها. في هذا العمود سأكتب عن القدوة. أصبح البحث عن القدوة تحديا كبيرا يسمونه المثال الطيب حين تكون شخصية تتحلى بصفات تحاكي مفاهيم ومثلا معينة موروثة، وأنا أسميه التواصل والتراكم المعرفي إلى حد القدرة على الوصول إلى نقطة تحول. قدوة الماضي أصبحت غير مناسبة للمستقبل ولكننا نحتاج إلى قدوة، ولكن قدوتنا لم تأت حتى الآن، وطال الانتظار ولم تأت. القدوة معرفيا تأتي عادة خلال مسارين: الأول أن يستطيع القدوة تكوين معرفة كافية وتحقيق إضافة في سلم الإنجازات تفيد الآخرين أو من يستطيع تغيير المسار. قرأت مقولة تقول إن التحسينات المتعاقبة على الشمعة لم تسهم في تصنيع المصباح الكهربائي. الحديث هذه الأيام عن الاقتصاد ولكننا نتناسى أن الاقتصاد أعمال فردية تبدأ من قدوة في مكان ما وفي مجال ما. الإنتاجية والإبداع والإصرار والتخصص مصدر النمو الحقيقي في المدى البعيد. المحرك الأساس لها فرد يحلم ويعمل ولا يريد أو يفكر في أن يصبح قدوة لأحد ولكن نجاحه يجعله القدوة. القدوة هو من توجد فيه هذه الخصال. يصبح السؤال الملح: أين القدوة المستقبلية لدينا؟ القدوة نظريا يرسم معالم جديدة للمجتمع، وعمليا يؤسس لمعايير جديدة أكثر دقة، وهذه تساعد مفصليا في بناء اقتصاد مختلف في النوع والدرجة.
الإجابة عن السؤال تساعد على البحث ولكنها لن تكون معادلة سحرية. الحصول على القدوة يتطلب تغييرا حقيقيا في المجتمع للتركيز على الفرد الناجح في العلم والمعرفة والإنجاز وليس مفاهيم اجتماعية مرنة قابلة للتسويق والتسويف والمرونة المجتمعية مراهنة على الأبعاد العاطفية في الشخصية دون تساؤلات، ويتطلب أيضا البيئة التحفيزية العامة. الإشكالية أن نزعتنا الطبيعية والبيروقراطية في خصام أزلي مع هذه المتطلبات. القدوة الكامن فينا ينتظر ويحاول التقاط الإشارات عن التغيير من حوله ولكنها لا تأتي. المجتمع في حاجة إلى عشرات أو مئات من القدوات في جميع المجالات. نحتاج كقدوة إلى رجل أعمال يستطيع إيجاد قيمة مضافة وليس وكيل توزيع، ونحتاج إلى رجل أعمال آخر يستطيع أن يستوعب كودا حديثا لبناء المنازل، وليس تاجر عقار يبيع أراضي مرتفعة التكاليف على معلم صرف أكثر من نصف حياته العملية لشراء قطعة أرض. نحتاج إلى أكاديمي جاد يستطيع تأليف كتاب يعلم في جامعات داخلية وخارجية ونحتاج إلى مخترع لديه إصرار يمتد لعقود. نحتاج إلى فنان يعشق فنه ويستطيع التدريب حتى يصبح شمعة جديدة، ولاعبا رياضيا يستطيع أن يبيع مهارته لأفضل أندية العالم لأن لديه الاستعداد للتدريب عدة ساعات يوميا ولسنوات. القدوة ليس نصف متعلم يحصل على دكتوراه شبه مزيفة أو ملفقة لكي يحصل على وظيفة حكومية، بينما ليست لديه نزعة علمية، وليس طالبا جامعيا غير مستعد لاختبار قبول عالمي، وليس متدربا فنيا لا يعشق تخصصه أو رجل أمن يتردد في المسؤولية الأخلاقية، وهي أم تصر على تعليم أولادها وبناتها على الرغم من غياب الأب أو رغم العوز المادي.
الفرد الذي يصبح القدوة لا يستأذن أحدا ولا ينتظر دعم أحد. فهو شخصية شجاعة ولكن هدفها ليس الآخرين بل ما يرى أنه تحدي الطبيعة والعوائق الرسمية وغير الرسمية وعشق لما يعمل. نستطيع تحويل التعلق بالمثل الماضية إلى مسار جديد للمجتمع لإيجاد مثل جديدة. دور المجتمع في ظهور وإبراز القدوة مهم ولكنه جزئي، مهم لأنه يسبح في البحر نفسه وجزئي لأنه يسبح مستقلا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي