رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


شفافية بيانات الأسعار

يوجد شبه إجماع عالمي على أهمية الشفافية وعلى ضرورة توفير أكبر قدر منها في جميع الشؤون العامة خصوصا البيانات الاقتصادية، بل يرى كثيرون أنها مطلب أساسي من مطالب الحكم الرشيد. ولتكون البيانات العامة شفافة لا بد من نشر أكبر قدر من تفاصيلها، وتسهيل تدفقها إلى الجمهور، وتيسير حصولهم على المعلومات الضرورية للحفاظ على مصالحهم وتمكينهم من اتخاذ القرارات المناسبة، واكتشاف أخطاء البيانات. وكلما زادت تفاصيل البيانات ووضوحها كانت شفافة أكثر، وكلما أخفي قدر منها أو صارت أقل وضوحا أصبحت أقل شفافية. وتعتبر الشفافية من أكبر أدوات الإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد، حيث يميل المقصرون والفاسدون إلى إخفاء المعلومات أو التلاعب فيها لحجب الأخطاء أو قلب الحقائق.
تتجه معظم دول العالم إلى مزيد من الشفافية وتنادي المؤسسات العامة لدينا بالشفافية، لكن ممارسات بعضها تميل إلى التكتم وإخفاء التفاصيل. وتعتبر بيانات التضخم من أكثر البيانات الاقتصادية أهمية واستخداما على مستوى الأفراد والمؤسسات والسياسات، ولهذا ينبغي توفير أكبر قدر من التفاصيل حولها. ومن المفارقات أن الهيئة العامة للإحصاء كانت تنشر في السابق تفاصيل أكثر لبيانات أهم مؤشرات التضخم أو تغيرات الأسعار التي تعرف بالأرقام القياسية لتكاليف المعيشة. حيث كانت تنشر تغيرات جميع البنود المكونة للرقم القياسي لتكاليف المعيشة مع أرقامها القياسية وأهميتها النسبية، بل كانت في وقت من الأوقات تضمن بعض تقاريرها الأسعار الفعلية للسلع والخدمات. وكما هو معروف يتشكل الرقم القياسي لتكاليف المعيشة من أقسام رئيسة تتكون من مجموعات، وتتكون المجموعات من فصول، وتتشكل الفصول من بنود وهي التي تقاس أسعارها بشكل دوري. وقد توقفت الهيئة عن إيراد بيانات البنود في نشراتها منذ عدة سنوات ولا أدري ما السبب الذي يقف وراء ذلك، فالأسعار معلومات عامة يلمسها ويشعر بها جميع الناس ولا توجد أي سرية حولها، حيث تتجه الدول والمؤسسات الحكومية حول العالم إلى مزيد من شفافية البيانات، بينما خفضت الهيئة شفافية بيانات الأسعار.
طورت الهيئة العامة للإحصاء موقعها على الشبكة العالمية، وكان من ضمن التطورات الإيجابية وضع منصة الإحصاء التفاعلي، حيث يمكن الحصول على بيانات عدد كبير من المتغيرات الاقتصادية، التي من ضمنها الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة. وكان بالإمكان الحصول على تفاصيل تغيرات البنود في بداية إنشاء المنصة العام الماضي، ولكن تم حجب هذه المعلومات بعد فترة. وكنت قد أوردت في مقالة سابقة تغيرات بعض البنود استنادا إلى هذه المنصة، حيث كان من الملاحظ الرفع المحدود لتكاليف المياه على الرغم من أن الزيادة الكبيرة في أسعار المياه شعر بها جميع الناس. وتظهر الأرقام القياسية لكانون الثاني (يناير) 2017 زيادة محدودة لتكاليف المياه خلال السنوات العشر الماضية، حيث بلغت نسبة 138.9 في المائة. وقد قادت الزيادات الأخيرة في أسعار المياه إلى رفع تكاليف مياه الشبكات بما لا يقل عن عشرة أضعاف وقد تتجاوز الزيادات 40 ضعفا لبعض فئات الاستهلاك. ولهذا فإن الزيادة المحدودة التي تظهرها بيانات الهيئة عن تكاليف المياه غير مقبولة البتة. كما تظهر بيانات تكاليف المعيشة زيادة أقل من الواقع بالنسبة إلى تكاليف الكهرباء. ويوجد عدد آخر من البنود والفصول التي ارتفعت تكاليفها أكثر مما هو وارد في بيانات تكاليف المعيشة، التي من بينها حليب الأطفال والوجبات خارج المنزل.
عموما فإن الحصول على المعلومات بوجه عام التي من ضمنها بيانات التضخم حق عام من حقوق المجتمع، لأن الهيئة جهة عامة ينفق عليها من أموال عامة ولا توجد خسائر من نشر البيانات العامة. إن استفادة المجتمع سترتفع بنشر التفاصيل التي لا تضر بالخصوصية، حيث يمكن الاستفادة من بيانات الأسعار والتعرف على أسباب تغيرات الأسعار، وطرق التصدي لها، وتأثيراتها في الشرائح السكانية والمؤسسات والقطاعات الاقتصادية المختلفة ووضع الحلول. كما يمكن الاستفادة منها في مجال واسع من البيانات والمتغيرات الاقتصادية المعتمدة عليها، وإجراء الدراسات الجزئية والكلية، واكتشاف أخطاء وعثرات القياس ورفع مستويات دقتها. لهذا ينبغي أن يرد في نشرات الأرقام القياسية ومنصة الإحصاء التفاعلي أكبر قدر من التفاصيل عن تغيرات البنود وأهميتها النسبية، وكذلك أسعار القياس على المستوى الوطني وعلى مستوى كافة المدن التي تقاس فيها الأسعار. من جهة أخرى فإن منصة الإحصاء التفاعلي الحالية للهيئة غير عملية بالنسبة إلى مؤشرات الأسعار "ومعظم المؤشرات"، ومتعبة، وتحتاج إلى تطوير لتكون أكثر تجاوبا مع طلبات الباحثين، وأيسر للاستخدام بالنسبة إلى عموم المهتمين، كما أن بيانات الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة لا تغطي إلا فترة وجيزة.
يزيد انخفاض شفافية بيانات الأسعار وعدم نشر التفاصيل من الشكوك حول دقة الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة التي تدفع كثيرين إلى الاعتقاد أن معدلات التضخم المنشورة أقل مما يجب. وإذا كان هذا صحيحا فيجب أخذ الحيطة عند تبني السياسات المتعلقة أو المتأثرة بالتضخم خصوصا علاوات التضخم والسياسات النقدية المترتبة على الأسعار، وكذلك العمل على تعديل هذه البيانات لتكون أكثر انسجاما مع الواقع الفعلي. وهذا سيحسن من دقة ومصداقية بيانات الأسعار، ما سيخدم المجتمع بطريقة أفضل مما هو حاصل حاليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي