رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


التعليم ساحة المعركة

قبل أسابيع أقدم العدو الصهيوني على إغلاق مدرسة النخبة في القدس المحتلة، بحجة تبنيها مناهج إسلامية. هذا الإجراء ليس بمستغرب، فالعدو منذ احتلاله فلسطين، وهو يمارس أبشع أساليب كسر الإرادة الفلسطينية، سواء بالقتل، أو السجن، والتعذيب، أو هدم البيوت، والتهجير، إلا أن إرادة الفلسطينيين الأصليين ذوي الأرض تستعصي على كل أساليب التنكيل، والبطش، وما إغلاق المدرسة، وردود فعل الطلاب، وأهاليهم إلا مثال مبهج يؤكد الإرادة الصلبة. وبتتبع ردود الفعل يتبين أن ادعاء تدريس مناهج إسلامية، ذات توجهات سياسية حزبية، كما تدعي حكومة العدو لا أساس له من الصحة، فالمناهج لا تميل لأي فصيل، أو توجه سياسي، وكل ما تدرسه هو أساسيات الدين الإسلامي التي لا بد لأي مسلم أن يلم بها، حتى يتمكن من أداء واجباته وفروضه الدينية.
ردود الفعل المتحدية للقرار أخذت أشكالا عدة، أولها تجهيز إحدى الأسر ابنها لباسا، وحقيبة دراسية، ومرافقة والده له، والوقوف أمام المدرسة، والإصرار على كشف ممارسات العدو أمام وسائل الإعلام، حيث يتبجح بأنه دولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان، وهو في حقيقة الأمر عدوها، وأول الحقوق التي يحاربها التعليم لإدراكه أهميته الكبرى في التنمية، والتوعية، والتثقيف، وبناء العقول المفكرة، المنتجة، التي يعتبرها العدو مصادر قوة تهدد وجوده، وتكشف زيف ادعاءاته التاريخية.
كما أن سلوك التحدي تأكد من خلال إقدام إحدى المعلمات على تدريس طلابها في الشارع، أمام المدرسة، وفي ظروف طقس صعبة، حيث البرد، والمطر، وهذه رسالة قوية يرسلها الفلسطينيون، أولياء أمور، وطلاب، وهيئة تعليمية، يثبتون خلالها إدراكهم أهمية التعليم، وبناء العقول القادرة على البناء الصحيح، والسلاح القوي، في وجه العدو الفاشي، الذي يهتم بتعليم أجياله جميع المعارف والعلوم، الأمر الذي أكسبه خلال العقود الماضية تفوقا واضحا على الدول العربية مجتمعة، عسكريا، وتقنيا، واقتصاديا، حتى أن صناعاته، ومنتجاته غزت أسواق العالم، ولذا لا غرابة في إغلاق مدرسة النخبة نظرا لتميزها في مناهجها التي تعتني بتربية الأفراد، وتنشئة العقول، بما يتناسب مع معطيات العصر، والتحديات الصعبة.
حادثة إغلاق مدرسة النخبة، ليست الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة، وأتذكر حادثة الاعتداء على الطلاب، وهم في طريقهم إلى المدرسة، متوجهين من إحدى القرى، وقتل مجموعة منهم في عام 2003. وقد تحدثت في إحدى جلسات مؤتمر اليونسكو، الذي مثلت فيه المملكة، ضمن فريق عن تلك الحادثة، وهو ما أثار ممثل العدو ليرد بصورة غير منطقية، لم تلق القبول من الحضور، كما أن محاربة تعليم الفلسطينيين يأخذ أشكالا عدة، منها تسليط المستوطنين على الطلاب، والاعتداء عليهم بالضرب، والتحرش بهدف إخافة الطلاب، ومنعهم من الالتحاق بالمدارس لتجهيلهم، والحيلولة دون أخذهم بأساليب العلم، والمعرفة، في إدارة الصراع والمعركة.
كما أن من أساليب التضييق على الطلاب الفلسطينيين منعهم من المرور في أماكن معينة، لإطالة الطريق، ووضع الحواجز الكثيرة، بهدف إضاعة الوقت، وتأخيرهم عن الحصص الدراسية، ومع ذلك لا تزيد إجراءات التعسف الفلسطينيين إلا صلابة وإصرارا على طلب العلم، لإدراكهم أهمية التعليم في المعركة الطويلة، مع العدو، التي لن تنتهي إلا بتفوق علمي يصنع من الناس جميع أشكال القوة التي تتطلبها المرحلة.
السبب الذي بررت به حكومة العدو إغلاق المدرسة، أن مناهج المدرسة تتبنى توجهات إسلامية، وهذا ما نفاه المواطنون، ومسؤولو المدرسة، ومن المفارقات أن العدو يسمح بفتح المدارس اليهودية المتطرفة، التي تدرس طلابها كراهية العرب، ووصفهم بالسراق، والمخادعين، والأفاعي، لتشكيل اتجاهات سلبية نحو العرب، بهدف تحفيزهم على القتل، وسرقة أموالهم، وتخريب ممتلكاتهم، وهذا ما ثبت في ندوة بناء المناهج .. الأسس والمنطلقات المنعقدة عام 1424هـ في كلية التربية، جامعة الملك سعود، حيث تم تحليل سبعة كتب دراسية يهودية كشفت ما كان يجهله كثيرون عن محتوى ما يدرس للطلاب اليهود في فلسطين.
ما من شك أن اهتمام الأمم، والشعوب الحية، التي تقود العالم في الوقت الراهن، ما هو إلا دليل دامغ على إدراكها أهمية التعليم، وهو ما حدا بها إلى الاستفادة من عقول الآخرين، باستقطابهم، وتوفير الإمكانات التي تيسر لهم إجراء البحوث، والدراسات، في جميع مجالات المعرفة، إضافة إلى رصد الميزانيات الضخمة للتعليم والتدريب. ومن يتأمل واقع الجامعات، ومراكز البحوث في الولايات المتحدة يجد فيها كثيرا من العقول من جنسيات مختلفة تم استقطابها، وإغراؤها للبقاء، والعمل في تلك البلاد، وقد التقيت بكثير من هؤلاء من شتى أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي