رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


المنشآت الصغيرة والمتوسطة .. عملاقا النمو

تطور وكثر الحديث في السنتين الماضيتين حول قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة وعن مدى أهميته لكن مع ذلك يجهل كثير من الناس لماذا هو مهم لهذه الدرجة في الاقتصاد؟ الأهمية تكمن في عدة جوانب منها أولا تقليل الاحتكار في الأنشطة الاقتصادية وذلك ملاحظ في الأنشطة التي تكثر فيها مشاركة المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ولهذا فإن من أفضل الحلول لتقليل نمو الاحتكار، والتحكم في الأسعار في الاقتصاد تشجيع هذا القطاع لتكبر مساهمته، وتجب ملاحظة أن القطاع إذا أصبح محتكرا ستزيد صعوبة دخول شركات جديدة فيه، وهو أسوأ نموذج اقتصادي ممكن أن يحصل. ولهذا نجد أن الدول دائما تحارب الاحتكار وتمنعه أن يتطور سواء بالقوانين أو بمنع الاندماجات التي يتكون منها عملاق يتحكم في سوق معينة، ولهذا شواهد كثيرة حصلت سواء في أمريكا أو أوروبا. ثانيا: ازدهار هذا القطاع يشجع الابتكار والتميز بين أصحابه ورواده وهذا ملاحظ ومنطقي حيث توجد مثلا خمس شركات كبرى تسيطر على 70 في المائة من السوق وتحتكر قطاعا معينا سيقلل و"ليس يعدم" نمو الابتكار لديها، بينما وجود مئات أو آلاف الشركات تتنافس في الحصة نفسها سيدفعها لزاما وبشكل طبيعي إلى الابتكار ومحاولة التجديد والتميز عن البقية وظهور منتجات وخدمات مبتكرة بعدد أكبر بسبب كثرتها وتعددها. ثالثا: يعد ارتفاع حجم مساهمة هذا القطاع علامة على صحة واستقرار الاقتصاد، حيث يلاحظ ارتباط حجم المشاركة بقوة الاقتصاد، فمثلا حجم مشاركة هذا القطاع من إجمالي الناتج المحلي في أمريكا يبلغ أكثر من 50 في المائة، بينما في الصين 60 في المائة، وألمانيا 57 في المائة، واليابان 55 في المائة، ولهذا يلاحظ ارتباط ارتفاع المشاركة مع قوة ودخل هذه الدول. بينما من الناحية الأخرى نجد أن نسبة المشاركة في الدول ضعيفة الدخل لا تتجاوز 18 في المائة، بينما على صعيد الاقتصاد العالمي تقدر مشاركة هذا القطاع في حدود 52 في المائة. ومع الأسف تبلغ مشاركة هذا القطاع في السعودية 20 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ومن الإجمالي غير النفطي 33 في المائة فقط وهو رقم صغير ويجب رفعه على الأقل إلى فوق 40 في المائة من الإجمالي غير النفطي حتى يتضح تأثيره في الاقتصاد. ومن الملاحظ أن مستهدفات برنامج التحول لم تكن طموحة بالشكل المطلوب للوصول إلى هدف مرض لهذا القطاع، حيث حدد مستهدف برفع مشاركة هذا القطاع إلى 35 في المائة فقط في عام 2020، وهو رقم أتمنى أن يعدل وأن يرفع إلى 40 في المائة. رابعا: حسب الأرقام والبيانات من البنك الدولي والجهات الإحصائية فإن هذا القطاع يعتبر الموظف الأول في أي اقتصاد، وزيادة نموه وارتفاع مشاركته في الاقتصاد تعني مزيدا من الوظائف في القطاع الخاص، حيث أجرى البنك الدولي مسحا شمل 99 دولة أظهر أن هذا القطاع مسؤول عن توظيف ما نسبته 67 في المائة من إجمالي الموظفين، وهو رقم يثبت مدى أهمية هذا القطاع في حل مشاكل البطالة. ولكل ما سبق وغيره من الأسباب يتضح مدى أهمية هذا القطاع، وكثير من الدراسات ربط بين استدامة النمو في الاقتصاد بمدى مشاركة هذا القطاع خصوصا في الاقتصاديات النامية.
لكن كيف سنساعد هذا القطاع على النمو ورعايته والاهتمام به ليصل إلى المستوى المطلوب؟ يجب الاعتراف بأن القطاع يعاني في اقتصادنا عدة مشاكل حجمت من نموه. ولعلي أتطرق إلى أهمها، أولا: البيروقراطية في الأنظمة والإجراءات الحكومية وصعوبة الحصول على التراخيص من بعض الجهات الحكومية على الرغم من توجه الحكومة إلى تسهيلها. وهنا أشيد بما اتجهت إليه هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة نحو تسهيل التراخيص بالتعاون مع مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، وإن كنت أتمنى تعميمها في جميع مناطق المملكة وخصوصا النائية منها. عموما يجب أن يوضع مستهدف "لجمع" جميع الجهات المعنية بالأنشطة التجارية في مجمعات موحدة للمستثمرين، واستحداث نظام للتنسيق بينها في الصلاحيات والاشتراطات، وتحديد مستهدف زمني لإنهاء المعاملات حتى نستطيع تجاوز العقبات البيروقراطية القاتلة، ومن ثم التحول إلى التراخيص الإلكترونية في المستقبل.
ثانيا مشكلات التمويل: يواجه المستثمرون ضعفا في التمويل لهذا القطاع على الرغم من وجود برامج حكومية ساعدت على تحسين الوضع لكن لم تكن بالكفاية أو بالكفاءة اللازمة، وأسهم ضعف اهتمام المصارف بهذا القطاع لمدة طويلة من الزمن في تباطؤ نموه حيث لا تشكل قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من إجمالي القروض أكثر من 10 في المائة في أحسن التقديرات، لكن هذه المشكلة موجودة لدى كثير من الدول العالم وتفاقمت بعد الأزمة المالية عام 2008، حيث قلت شهية المصارف نحو إقراض هذا القطاع بشكل لافت، لذلك فهي مشكلة متكررة عالميا. ومع ذلك تصل نسبة قروض هذا القطاع إلى إجمالي محفظة الإقراض في بلد مثل أمريكا نحو 30 في المائة، وفي كندا 18 في المائة، وترتفع في بلدان مثل كوريا الجنوبية والبرتغال إلى 80 في المائة، و77 في المائة على التوالي. إذن النسب تختلف وبشكل كبير بين الدول، لكن من الضروري توفير الدعم المالي كتمويل، حيث إن واحدا من أكبر أسباب خروج هذه الشركات من السوق عدم تمكنها من الحصول على التمويل في وقت الحاجة واستمراره خلال حياة ونمو الشركة، حيث إن الجهات التي تستطيع المساعدة بعد استكمال تأسيس الشركات وخلال النمو هي المصارف التجارية في المقام الأول، وعزوف المصارف يجب أن تتم معالجته ومعرفة أسبابه والعمل مع المصارف لحلها إما بتوفير الضمانات كما عمل برنامج كفالة لكن بشكل أكثر كفاءة وفاعلية منه، وأقترح على مؤسسة النقد والجهات المعنية استغلال سيولة الدولة وإيداعاتها لدى المصارف، والعمل على عقد اتفاقيات بينها وبين المصارف المستقبلة والمستفيدة من السيولة برفع نسبة قروض المنشآت الصغيرة والمتوسطة من حجم القروض الإجمالية، وليكون كلا الطرفين رابحا وتحت أنظمة يتم تطويرها لتقلل من المخاطر.
من المشكلات ضعف البنية التحتية في كثير من المناطق وعجزها عن تغطية الاحتياجات مثل الكهرباء وخصوصا للمشاريع ذات الطابع الصناعي وهو أمر يعوق بكل تأكيد التنمية في المناطق النائية حتى في المدن الكبرى، وضعف البنية التحتية يعوق الاستثمار بشكل عام ويعوق جميع المنشآت والقطاعات، لكن أكثر القطاعات تضررا هي الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ختاما لا يتسع المقال لذكر كل مشكلات القطاع لكن الأمل معقود على هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة لإعادة ترتيب القطاع، والبدء بإعداد الأهداف والخطط التنفيذية لتنميته بالشكل الصحيح، وتجاوز بيروقراطية الأجهزة الحكومية الأخرى، وتحفيز المصارف للتوسع نحو تمويل هذا القطاع. وفي الحقيقة لا يمكن أن ينمو أي اقتصاد دون وجود مصارف قوية داعمة له.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي