مقاطع الفيديو .. وصناعة الرأي
أحدثت منصات التواصل الاجتماعي ثورة في وسائل وآليات ومفاهيم التأثير وقياسه وبات المخططون يعانون قضية الوصول إلى الشرائح المستهدفة بشكل كبير نتيجة لانتشار المستهدفين بمتابعة ومشاهدة طيف كبير من الوسائل الاتصالية، ونتيجة لتغير أمزجتهم حيال كم ونوع المواد التي يمكن أن يقرؤوها، أو يستمعوا لها، أو يشاهدوها ويتفاعلوا معها، وفي أي وسائل اتصالية تقليدية أو رقمية.
يقول لي أحد مديري التسويق إن الأمور تتغير بشكل متسارع، فبعض الوسائل الاتصالية تتوالد وتتغير نماذجها الاستثمارية بشكل سريع بالتزامن مع تغير كم ونوع خدماتها مع كل تحديث لها، وبعضها الآخر يتقلص ويتجه للموت، وبعضها أوجد حلولا بدعم وسائله التقليدية بوسائل اتصالية رقمية حديثة مشكلا منظومة تواصل ليستمر في بيئة بات فيها صناع القيمة الإعلامية في مجال القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وناقدوهم من المؤثرين سلبا أو إيجابا يتزايدون ويتغيرون وتتغير تكاليفهم بشكل سريع.
ويضيف تأثير الآليات التي تستخدم في الوسائل التقليدية والرقمية من عبارات مكتوبة، وصور، ومقاطع فيديو، وانفوجرافيكس، وخليط من بعض أو كل هذا يتغير أيضا في بيئة اتصالية جعلت المشاهد يتطلب جهودا إبداعية لجذب انتباهه أولا وجهودا إبداعية ليواصل القراءة أو المشاهدة لتحدث عملية التغيير والتفاعل حيث إنه نتيجة لتعدد وسائل ومنصات الاتصال مع محدودية وقت القراءة أو المشاهدة لديه ضاقت نفسه وبات يريد معلومات على شكل كبسولات جذابة ومضغوطة المواد ليهضمها في وقت قصير جدا، خصوصا أن دورة حياة القضايا التي تهم الناس تقلصت لثلاث ساعات ما لم تحفز من قبل جهة تحشد لذلك جمعا من صناع القيمة والمؤثرين ومتابعيهم.
مدير التسويق هذا ذكرني وهو يتحدث بتقرير رأيته عن الجيوش الإلكترونية التي تستخدمها الدول في الحروب الإعلامية لصناعة الرأي أو توجيه الرأي لخدمة قضاياها وفق استراتيجيات ذكية تستخدم جميع الوسائل المتاحة بشكل متكامل، وأذكر أنه كما أن الدول والشركات تحمي مواقعها الإلكترونية بأنظمة حماية "جدران نارية" عالية الكفاءة لكيلا تخترق من الأعداء الذين يستهدفون إلحاق الضرر بها فإن الدول باتت هي الأخرى تعمل على حماية شعوبها من خلال جيوش إلكترونية تستخدم الإعلام الرقمي بكل أنواعه بما في ذلك منصات التواصل الاجتماعي للهجوم على الأعداء بطرح قضايا تثير شعوبهم بالتزامن مع طرح قضايا ومعلومات تحمي شعبها من التأثر بما تطرحه الدول الأخرى.
لنأخذ مثالا على ذلك، حيث تجند إيران حاليا جيشا إلكترونيا على منصات التواصل الاجتماعي بمعرفات عربية للترويج للفكر الفارسي بمظلة طائفية، وذلك بالتزامن مع تأجيج الطائفية لدى الشعوب العربية لتمرير أجندتها التي تستهدف إضعاف هذه الدول والتدخل في شؤونها ومن ثم الهيمنة عليها كما حصل في العراق وسورية ولبنان وجار حاليا في اليمن ودول الخليج التي وعت هذه الاستراتيجية وعملت بشكل سريع على حماية شعوبها من الطائفية ودعت لتعزيز اللحمة الوطنية والتعايش السلمي وتوحيد الصف والكلمة، ما فوت الفرصة على الطرف الفارسي.
بعض الدول كإيران وغيرها من الدول التي لا تريد خيرا لمنطقتنا العربية عموما والخليجية على وجه الخصوص تطرح قضايا وشبهات للنقاش من خلال منصة اجتماعية أو أكثر وتدعمها من خلال معرفات مؤثرة عملت على تطويرها بمهنية واحترافية لتنطلق في فضاءات هذه المنصات وكأنها انتشرت عفويا ودون دعم مخطط، تهدف بالمحصلة مع تكرار طرح هذه القضايا لإيجاد حالة من الإحباط والقلق لدى الشعوب مقرونة بحالة من الغضب والحنق ضد الحكومات، وذلك له بطبيعة الحال أثر سلبي كبير في الاستقرار والتنمية والتعايش السلمي أيضا.
ولهذا فإن دولنا تعمل على معالجة ذلك بشكل مخطط وهذا مطلوب وواجب، وما نتمناه أن تعمل أيضا هجمات معاكسة لإشغال إيران بقضاياها الداخلية التي لا تعد ولا تحصى من ديمقراطية مزيفة وفقر وتخلف وجهل وهيمنة لمؤسسة دينية كهنوتية على مفاصل البلاد وعزلها عن محيطها الإسلامي بل ربما عن العالم كله بما تطرحه من أفكار أيديولوجية وما تصنعه من إرهاب فكري مدعوم بإرهاب مادي أسهم في تفاقم الإرهاب على مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم.
ما علاقة كل ذلك بمقاطع الفيديو؟ قال لي أحد خبراء الإعلام الرقمي والتأثير الجماهيري إن مقاطع الفيديو ستصبح الآلية الأكثر تأثيرا في الناس أيا كانت المنصة الاجتماعية التي يتابعونها. ولذلك فإن معظم المنصات الاجتماعية باتت تمكن صانع الخبر من استخدام كاميرا الجوال في صناعة مقاطع الفيديو وبثها مباشرة، ويؤكد ذلك بأكثر من مقطع فيديو لم يستمر لأكثر من دقيقة وفجر قضية للنقاش أطلق من أجلها هاشتاقا احتوى حوارات جماهيرية ثم تلقفته وسائل الإعلام التقليدية المحلية والدولية ما أفضى لمواقف وقرارات من المسؤولين كما أفضى لمواقف وسلوكيات من أفراد المجتمع، حتى بات كثير من المسؤولين يتجنبون الوقوع في مصيدة مقاطع الفيديو التي يمكن أن تنتشر على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي.
ويضيف أن هذا يعني أن مقاطع الفيديو المخططة أو العفوية ستجعل التأثير ينطلق من الجزء إلى الكل كالشرارة الصغيرة التي تولد نارا ضخمة تصعب السيطرة عليها قبل أن تحدث أثرا بالغا. ولذلك يجب أن نتجهز من الآن لتطوير صناعة مقاطع الفيديو بما يجعلها صناعة متقدمة قادرة على توفير خطوط حماية للمجتمع من الهجمات الخارجية المخططة من الدول العدوة من ناحية، وبما يجعلها صناعة قادرة على دفع أفراد المجتمع نحو المواقف والسلوكيات الإيجابية التي تدعم خطط الاستقرار والتنمية.
ولذلك أتطلع إلى أن يتجه الشباب السعودي المعنيون بالشأن الاتصالي لمجال صناعة مقاطع الفيديو الاحترافية القادرة على صناعة القيمة بفتح القضايا للنقاش ومن ثم دفع المجتمع لحوار إيجابي تجاهها لتصبح منصات التواصل الاجتماعي أدوات حماية وتعزيز للاستقرار والتنمية في بلادنا بدلا من أن تكون أدوات زعزعة أمنية وركود اقتصادي.