التأمين الاختياري .. زواج مؤقت

التأمين الاختياري للمعلمين أعتقد أنه لا يتوافق مع برنامج التحول الوطني الذي يدعم الشراكة بين القطاع الصحي بشقيه الحكومي والخاص. فالتأمين الاختياري لا يحقق شراكة حقيقية، بل بمنزلة الزواج المؤقت الذي لا تتوافر فيه أدوات الديمومة لها، خصوصا المودة والرحمة، لأنه عقد يفتقد مقومات الاستمرارية والشراكة التي تحقق المصلحة لكلا الطرفين. هذا العقد يحاول كلا الطرفين أن يكسب على حساب أن يخسر الطرف الآخر، ما يؤدي إلى انهيار العلاقة بين الطرفين والطلاق البائن ولو بعد فترة من الزمان. كما أن هذا النوع من التأمين له أثر سلبي في ارتفاع التكلفة العلاجية، خصوصا على المدى المتوسط أو الطويل. فهو عقد يفتقد الشراكة وتحقيق المصلحة والفائدة لكلا الطرفين. وقبل نحو ثلاث سنوات كان من ضمن أهم التوصيات التي خرجنا بها في منظمة الصحة العالمية كمختصين ومستشارين أن التأمين الاختياري لا يفيد كحل استراتيجي لدول منطقة الشرق الأوسط لتحقق حصول الناس على الرعاية الصحية، بل إن الضرر الذي يتسبب فيه هذا النوع من التأمين أكبر من فائدته، خصوصا في تأثيره السلبي في ارتفاع التكلفة العلاجية. لذا لم تتبنه منظمة الصحة العالمية كإحدى وسائل تحقيق توفير الرعاية الصحية للجميع.
من جهة المعلم، من الطبيعي أنه سيفكر كثيرا قبل أن يقدم على التأمين الاختياري لمعرفة هل المبالغ المدفوعة توازي الفائدة المرجوة؟ لذا فسيبادر بالتأمين الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، أما من احتمالية إصابتهم بالأمراض ضعيفة فلن يكون لديهم الحماسة للانخراط فيه لأن القيمة التي سيدفعونها أكثر من الفائدة المرجوة. فمثلا معلم عمره 30 عاما، وليس لديه احتياج فعلي للرعاية الصحية، فالتأمين الصحي سيكون له بمنزلة التكلفة الإضافية لأن الرعاية الصحية التي قد تحتاج لها أسرته لا تتعدى الولادة التي قد لا تتجاوز تكلفتها أربعة آلاف ريال. كما أن المستشفيات تفضل من يدفع "كاش" على من لديه تأمين لأن مبلغ "الكاش" سيدخل مباشرة في حسابها دون الدخول في الخصومات التي تفرضها شركات التأمين عليها، فضلا عن تأخرها غالبا في السداد. حتى المعلم الذي سيجرب الاشتراك في التأمين الاختياري للمعلمين ولو لمدة محدودة كسنة واحدة فقط، فبعد انتهاء السنة ستتغير حساباته، خصوصا بعد مقارنة بين تكاليف التأمين والفائدة الفعلية. لذا ستتناقص أعداد المؤمنين الذين لديهم احتمالية ضعيفة للإصابة بالأمراض تدريجيا، بينما سيتزايد أعداد من لديهم احتمالية عالية للإصابة بالأمراض. فينقسم المعلمون إلى فئتين: فئة مستفيدة من مبلغ الاشتراك في التأمين الاختياري لكونها تستخدم الخدمات الصحية أكثر من مبلغ اشتراكها وهي في الغالب تتميز بكونها من فئة كبار السن من المعلمين، بينما ستحجم الفئة الأخرى من المعلمين، خصوصا الذين ليس لديهم احتياج فعلي للرعاية الصحية، خصوصا فئة الشباب.
من الطبيعي أن شركات التأمين لن تقف مكتوفة الأيدي في ظل إقبال فئة عالية المخاطر وإحجام الفئة ذات المخاطر المحدودة. لذا فستضطر لأخذ عديد من الإجراءات كرفع أسعار بوليصة التأمين من أجل تعويض ضعف إقبال الشريحة المحببة لها كفئة الشباب وفي الوقت نفسه زيادة من لديهم مخاطر عالية، خصوصا كبار السن من المعلمين ومن يصنفون من الفئات عالية المخاطر. وهذا ما أشرت له في مقالي السابق عندما ختمته بصعوبة التحكم في ارتفاع التكلفة العلاجية مستقبلا.
البعض ذكر أن نظام الضمان الصحي التعاوني لا يمنع تأمين من هم فوق 65 عاما؟ هذه كلمة حق أريد بها باطل لأن المشكلة ليست في النظام وإنما في جدوى تأمين هذه الفئة من جهة نظر شركات التأمين. فلا توجد شركة تأمين واحدة ترحب بتأمين من هم فوق 65 عاما. حقيق ألا ألقي باللائمة على شركات التأمين لامتناعها عن تقديم التأمين الصحي لمن هم فوق 65 عاما أو المتقاعدين، بل لو أجبرت على تأمينهم، فإن الحل الأسهل لها رفع قيمة بوليصة التأمين بصورة فلكية من أجل الحد من هذه الفئة. بل حتى النظام الصحي الأمريكي على كثرة مشكلاته جعل لكبار السن ومحدودي الدخل نظاما معزولا عن تأمين الموظفين من أجل حمايتهم وضمان حصولهم على الرعاية الصحية التي يستحقونها ومع ذلك لم تتحقق هذه الغاية لكل من هم كبار في السن أو محدودو الدخل بالصورة المطلوبة.
لهذه الحقائق وغيرها لا أعتقد أن التأمين الاختياري يمكن أن يقبل به كحل استراتيجي وطريقة صحيحة لتوفير الرعاية الصحية للمعلمين. كما أن "رؤية 2030" ركزت على تحقق الرفاهية ومشاركة فعلية للقطاع الخاص في التنمية لكن هذه الصورة من التأمين لا تحقق هذه الغاية، بل كما قلت هو زواج مؤقت غير دائم، وسينتهي بعد استفادة كل طرف من الآخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي