كتاب يبكي .. وآخر يضحك

أعتقد أن المبالغات التي تتصدر التقارير الصادرة عن بعض المنظمات العالمية حتى العربية حول معدلات قراءة الكتب في العالم العربي لا تستند إلى إحصاءات دقيقة وإنما تقوم على نظرات عامة لمستوى الأمية والظروف الاقتصادية لمعظم المجتمعات العربية. وإلا هل يعقل أن متوسط القراءة في العالم العربي لا يتعدى ربع صفحة للفرد سنويا؟! وفي تقرير آخر أن المواطن العربي يقرأ بمعدل ست دقائق سنويا، بينما الأوروبي بمعدل 200 ساعة سنويا.. فهل هذا معقول؟!
ولو كان الواقع كذلك لما رأينا معارض الكتب التي تقام في العالم العربي، ومنها معرض الرياض الدولي للكتاب الذي افتتح يوم الأربعاء الماضي، يزداد الإقبال عليها عاما بعد عام ويحرص الناشرون على المشاركة فيها ليس للعرض فقط وإنما للمبيعات التي تقدر بملايين الريالات. قد يقول قائل، إن بعض الناس يشتري لكنه لا يقرأ، ونقول دعه يشتري اليوم ويقرأ غدا حينما يتقاعد ويقرأ أبناؤه حينما يدركون أن الثقافة الحقيقية لا تؤخذ من "تويتر" أو "الواتس" أو "السناب شات"، فالكتاب هو المصدر الرصين للثقافة وسيظل صامدا رغم التحديات ورغم من يحاول القول إن عهد أبي الطيب المتنبي القائل، "وخير جليس في الزمان كتاب" قد انتهى. وإن كانت هناك مشكلة تواجه صمود الكتاب فهي من فصيلته نفسها، وأعني بذلك الغث من الكتب. ولقد تصورت وأنا أتجول في معرض الرياض الدولي للكتاب وسط ذلك الازدحام الكبير أنني أسمع بكاء وضحكات في الوقت نفسه. وحينما التفت لمعرفة الأسباب فإذا بكتاب رصين يحتوي على الدرر والجواهر الثمينة وقد صد عنه المتزاحمون على شراء كتيب أو رواية فيها من الكلام الهابط المكتوب بأسلوب أقل ما يقال عنه إنه غير مترابط وركيك للغاية، وهو ليس إلا صف كلمات تداعب الخيال داخل غلاف جذاب وعلى ورق مصقول. وتحققت من مصادر البكاء فإذا هو صادر عن "الكتاب الرصين" الذي يتحسر على عصر الاحتفاء بكل ما هو مفيد، بينما الضحك صادر عن الكتاب الهزيل الذي يقول، "هذا عصرنا أيها العاقل الرصين وربما يعود عصركم مرة أخرى فلا تكثر البكاء يا صديقي"!
وأخيرا: في كل مرة قابلت عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - أمده الله بالصحة والقوة - وهو من الأدباء ورجال التعليم الأوائل في محافظة حريملاء أدركت أن الكتاب لا خوف عليه، فهو ما شاء الله "مكتبة متنقلة"، حيث يصرف جزءا لا بأس به من راتبه التقاعدي شهريا لشراء الكتب وتوزيعها في كل مناسبة يحضرها، فما إن تصافحه حتى يمدك من تحت مشلحه بكتاب مناسب لمستوى ثقافتك وتوجهاتك، ولديه في منزله كمية من الكتب والمخطوطات القيمة ولذا فقد أمر الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بأن تقام له مكتبة في حريملاء للاحتفاظ بهذه الكتب ولتكون مفتوحة للجميع للقراءة والاطلاع والدعاء لهذا المواطن الصالح الذي ظل ينشر الكتاب على مدى سنوات دون سعي للربح أو حتى للشهرة المعنوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي