تحت ركام الموت ثمة حياة .. «الخوذ البيضاء» تنتصر
لا تزال أروقة الفن السابع تضج بحفل أوسكار 2017، الذي تم خلاله توزيع الجوائز لأفضل الأعمال السينمائية، ولم يقتصر فوز هذا العام على الأفلام الهوليودية بل تربع الفيلم السوري «الخوذ البيضاء» على عرش أفضل فيلم وثائقي صغير.
يروي الفيلم قصة رجال الدفاع المدني السوريين، عرفوا فيما بعد باسم «الخوذ البيضاء»، الذين يتطوعون لإنقاذ المدنيين أثناء وبعد قصف النظام السوري وروسيا جراء الحرب في سورية، فيبدأ بسرد كل عنصر من عناصر «الخوذ البيضاء» تجربته في أجواء من القصف والدمار الذي يطال المناطق السورية، وفي بعض اللقطات الحية، تظهر بعض المعلومات عن المنظمة ترافقها موسيقى كلاسيكية ممزوجة بأصوات القذائف وأنين المصابين وصراخ الأطفال.
وعلى الرغم من الإمكانات المادية المحدودة التي خصصت للفيلم إلا أن المخرج أورلاندو فون أينشيديل استطاع أن يرسخ في عقل المشاهد الهدف الأساسي لهذه المنظمة عبر كتابة تاريخها على الشاشة مصحوبة بمشاهد تصويرية حية من أرض المعركة، نقلت المخاطر والصعوبات التي تواجههم أثناء أداء مهامهم، والضغط النفسي الذي يتعرضون له أثناء البحث عن المصابين تحت الركام ونقلهم إلى المستشفيات.
حادثة الطفل المعجزة
ولقد روى أحد العناصر في الفيلم، الذي صورته مجموعة من المسعفين وأنتجته جوانا ناتاسيجارا، حادثة الطفل المعجزة الذي تم إنقاذه من بين الأنقاض وهو لم يتجاوز الشهر من عمره، فأمسك به وبدأ يشهق بالبكاء والصريخ وكشف في الفيلم أنه تذكر ولده حديث الولادة تركه مع والدته ليلبي نداء الإنسانية، فكان مشهدا رائعا مزج ما بين العاطفة والبكاء وقوة الدمار والقصف.
ولم يقتصر الفيلم على عرض عمليات الإنقاذ التي كانوا يقومون بها بل تطرق المخرج إلى تنظيم هذه العناصر وكيف يتلقون الأوامر ويتوجهون إلى عملهم وما الخطوط العريضة التي يسيرون عليها؟.
وفي مشهد آخر يظهر الفيلم حياة تلك العناصر ومشاعرهم العائلية، فهم يعرضون حياتهم للخطر من أجل بلدانهم لكنهم في الداخل يتعذبون لبعدهم عن أولادهم وعائلاتهم. يتحدث أحد العناصر على الهاتف للاطمئنان على ابنه، وفي عينه قلق ممزوج بدمعة خانقة.
الإيمان والصلاة
وصور المخرج كيف تدربت تلك العناصر على إطفاء الحريق الناتج عن إلقاء القذائف من الطائرات الروسية، مع الإشارة إلى أنه ليس العمل الأول لأورلاندو وجوانا بل قاما سابقا بإنتاج فيلم وثائقي يحمل عنوان «فيرونجا» وهو اسم محمية طبيعية في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويحكي قصة أولئك الذين يخاطرون بأرواحهم، بصورة يومية، لحماية موطن الغوريلا الجبلية المعرضة للانقراض.
ولم يغب إيمان هذه العناصر من خلال أداء فريضة الصلاة كل يوم، ولقد صور هذا المشهد بطريقة رائعة عند الفجر، فالطيور تحلق في السماء وهم يفترشون سجادة الصلاة، لينقل المخرج إلى أمل هذا الشباب في المستقبل من خلال مشهد الطفل المعجزة الذي تم إنقاذه، وبعد مرور عام جاء بينهم يركض ويلعب، ويدخل الفرحة إلى قلوبهم.
رئيس المنظمة رائد الصالح لم يحضر حفل توزيع الجوائز بسبب تصعيد القصف في سورية، بل أرسل كلمة تلاها المخرج أورلاندو فون آينسيدل خلال الحفل، وجاء في الكلمة "نحن ممتنون لأن الفيلم ألقى الضوء على عملنا (..) لقد أنقذنا أكثر من 82 ألف مدني. أدعو جميع الذين يصغون إلى العمل من أجل الحياة، من أجل وقف نزيف الدم في سورية ومناطق أخرى في العالم".
بدايات «الخوذ البيضاء»
يبلغ عدد عناصر منظمة الدفاع المدني السوري نحو ثلاثة آلاف متطوع وناشط في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في سورية، بينهم خبازون وأطباء ونجارون وطلاب، اختاروا التطوع مخصصين وقتهم لتعقب الغارات والبراميل المتفجرة بهدف إنقاذ الضحايا.
وبدأت المنظمة العمل في عام 2013 بعد تصاعد حدة النزاع الدامي الذي بدأ بحركة احتجاج سلمية في مارس 2011 قمعها النظام بالقوة.
ومنذ عام 2014 بات متطوعو المنظمة يعرفون باسم "الخوذ البيضاء"، نسبة إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم. وفي عام 2016، انضمت 78 متطوعة - بعد تلقيهن تدريبات في الرعاية الطبية وعمليات البحث والإنقاذ الخفيفة، إلى الدفاع المدني السوري.
وبعد أكثر من خمس سنوات على اندلاع النزاع السوري، بات للمجموعة 120 مركزا تتوزع على ثماني محافظات سورية، وتحديدا في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المعارضة والمقاتلة.