التستر النظامي

إعلان الدكتور ماجد القصبي وزير التجارة والاستثمار عن وجود دراسة لظاهرة التستر تهدف إلى وضع خطط للقضاء عليها، يأتي حاملا طموحا بمعالجة مشكلة متفاقمة منذ سنوات طويلة رغم العقوبات النظامية المطبقة ضد من يثبت تورطه في التستر. تصريحات الوزير القصبي كشفت أن هناك توجها لتعديل الأنظمة "حيث يصبح للوافد الحق في الاستثمار ضمن ضوابط ومعايير محددة، ودفع ضريبة بشكل واضح دون أن يضطر للتخفي".
والمحصلة في النهاية "تمكين الوافد من الاستثمار ضمن أنظمة معينة، دون اللجوء إلى التستر".
من المهم هنا الإشارة إلى أن ظاهرة التستر، تتكئ على جملة أمور، أشار وزير التجارة إلى جزء منها، وهي التي تتعلق بتمكين الراغب في الاستثمار من ذلك، بتعديل الأنظمة بالشكل الذي يحفظ حق المستثمر ولا يضطره إلى التحايل على النظام.
لكن الجزء الذي لم يتناوله الوزير يتعلق بالمواطن. كثير من حالات التستر الموجودة، خاصة في الاستثمارات الصغيرة، ناجمة عن تقييد الاستثمار بالنسبة للمواطن، فالموظف الحكومي حتى بعض موظفي القطاع الخاص لا يسمح لهم النظام بالاستثمار. هذا الأمر في الحقيقة لم يمنع هؤلاء من الاستثمار، لكنه دفعهم إلى تسجيل استثماراتهم بأسماء زوجاتهم أو أبنائهم.
هناك أمور أخرى غريبة، إذ إن بعض الأنظمة كانت تدفع إلى التستر بشكل أو بآخر. فالتوكيل من قبل المرأة للزوج الموظف لإدارة بعض أمورها ليس متاحا نظاما.
هذا أفضى إلى إتاحة الفرصة مرة أخرى للتستر، إذ غالبا ما يتم تسليم تلك الاستثمارات الصغيرة لآخرين يقدمون في نهاية كل شهر مبلغا من المال، بعيدا عن صداع المتابعة الذي يفترض أن يمارسه في هذه الحالة شخص من خارج دائرة الأسرة، وهذا في الاستثمارات الصغيرة مكلف وأحيانا غير آمن.
إننا ونحن نعكف على مراجعة محفزات استشراء ظاهرة التستر، علينا أن نؤسس لنظام يتيح إيجاد علاقة شراكة بين المواطن وبين الوافد، حيث تقوم هذه العلاقة على تضافر بين المال والجهد والإدارة.
هذه الصيغة موجودة في دول مجاورة بشكل نظامي، يحقق عوائد للدولة وأرباحا للأطراف الأخرى. وهو موجود عندنا بصيغته غير النظامية المعروفة باسم التستر. والذي جعل نزيف عوائد هذه الاستثمارات غير خاضع للأنظمة. من المؤسف أننا تحدثنا كثيرا عن أضرار التستر، وتجاهلنا لوقت طويل إيجاد العلاج وفتح قنوات محفزة لاستثمار المقيمين في الداخل. وقد جاءت "رؤية المملكة 2030" حاملة تفاصيل واعدة في هذا المجال، وتصريحات الوزير تصب في هذا الاتجاه.