رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تغير التركيبة الديموغرافية في الشرق الأوسط

مؤسف أن تزداد وتيرة العنف الطائفي في الوطن العربي، وتتحول بعض الدول العربية إلى مناطق لا تقبل التعايش السلمي بين الطوائف الدينية، بعدما كانت ملجأ للمظلومين والمنكوبين، فقد كانت أجزاء من الوطن العربي ملجأ آمنا لليهود عندما رفضهم المجتمع الأوروبي في الماضي. ولكن أوروبا وأمريكا تحولتا إلى مكان آمن للمسلمين في الوقت الحاضر على اختلاف أطيافهم ومذاهبهم الدينية، في حين أشعلت نار الطائفية في الدول العربية من قبل قوى خارجية وداخلية، ما أدى إلى تنافر الطوائف الدينية، وحشد المشاعر الطائفية، وإصدار فتاوى تبيح إهدار دماء المسلمين من الطوائف الأخرى، واستباحة أموالهم والاستيلاء على منازلهم وأراضيهم وممتلكاتهم. هذا – في الواقع - ما يحدث في بعض دول الوطن العربي، بعدما كانت هذه الدول نموذجا للتعايش السلمي منذ مئات السنين بين أطياف من طوائف متنوعة إسلامية ومسيحية وإيزيدية وتركمانية وغيرها. والخشية أن تتشكل دول مذهبية، دولة شيعية بالكامل في مكان، ودولة سنية بالكامل في مكان آخر، ودولة علوية هناك، وهكذا.
يحدث هذا على الرغم من أن كثيرين كانوا يظنون أن كثافة التواصل بين الناس من خلال الفضائيات وشبكة الإنترنت، وكذلك تقدم وسائل النقل كفيلة بزيادة التفاهم وتقليص المسافات الثقافية والخلافات المذهبية، ولكن ما يجري هو العكس تماما خاصة في منطقتنا العربية، فقد استخدمت كل هذه الوسائل المتقدمة لإشعال نار الفرقة والكراهية والعداء. غريب جدا أن يتجه بعض المسلمين إلى ما يضعفهم ويقزمهم ويجزئهم مذاهب صغيرة وطوائف متعددة، تفرق ولا تُقرب، إضافة إلى اللجوء للتشدد الديني المذهبي و"التشدد المضاد"، بما يهدد التعايش السلمي، فالدول في معظم أقاليم العالم أدركت ضرورة التعايش السلمي كشرط أساس للنماء والتطور، ومن ثم سيطرت على خلافاتها الدينية، وعززت روح التعايش واحترام الآخر من أجل تنمية مجتمعاتها وتطورها لزيادة رفاهية الإنسان، بدلا من تعطيل التنمية وتشريد السكان.
والسؤال الكبير، إلى أين تتجه منطقتنا العربية؟ لا أحد يستطيع الإجابة بدقة وشمولية عن هذا السؤال، ولكن من الواضح أن النور لا يبدو واضحا في نهاية النفق، وأن الوضع الحالي المتدهور سيزيد من تخلف المنطقة وتدهورها ديموغرافيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وعلميا، وثقافيا، وذلك للأسباب التالية:
أولا: أسهمت الاضطرابات والفتنة والحروب في تهجير ورحيل مئات الآلاف من أصحاب العقول النيرة والمبدعة في مختلف مجالات العلم والمعرفة إلى الدول غير العربية، خاصة في الدول المتقدمة التي تنتقي ما تحتاج إليه من العرض الكبير من هؤلاء اللاجئين والهاربين من ويلات الحروب، فمثلا بلغ عدد الأفراد الفارين من مساكنهم في سورية وحدها نحو سبعة ملايين من بداية الأزمة إلى نهاية عام 2015.
ثانيا: تعيش المنطقة تدهورا في مجال التعليم والبحث العلمي نتيجة الظروف القاسية وتحول المنطقة من منطقة جذب للمواهب والعقول والخبرات إلى منطقة طرد، ما سينعكس – حتما - على نموها الاقتصادي وقدرتها التنافسية مع الاقتصادات الأخرى.
ثالثا: لا يقتصر الأمر على هجرة العقول، بل تتبع ذلك هجرة الأموال والاستثمارات إلى شرق الكرة الأرضية وغربها، لأن "رأس المال جبان" كما يقال.
رابعا: لا بد أن ينعكس هذا الوضع المضطرب على كل جوانب الحياة بما فيها الثقافية بمكوناتها المختلفة كالتأليف والمسرح وغيرهما.
خامسا: تشهد المنطقة تحركات سكانية وتهجيرا إجباريا لم يحدث – بهذا الحجم - في منطقتنا على مر التاريخ، ما سيقضي على التنوع الطائفي والعرقي، وربما يوجد دولا طائفية عنصرية لا تسمح بأي نوع من التسامح والتعايش السلمي للأطياف الدينية والعرقية المتنوعة!
وأخيرا أتمنى أن ننبذ التشدد ونسعى للتعايش السلمي، وأن تتصرف جميع المكونات في الوطن العربي باستقلالية في الرأي، دون التبعية لقوى خارجية أيا كان نوعها، وذلك من أجل بناء نسق اجتماعي يدعو للتعايش واحترام الآخر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي