جودة الحياة وتعميق ثقافة التسامح ونشر السعادة
الملاحظ في برامج التنمية للدولة الشقيقة الإمارات العربية المتحدة أنها تتطور في جميع المجالات وليس فقط في المجالات المادية كالطرق وبناء المستشفيات والجامعات والمساكن، فهي تتطور في مجالات القوى الناعمة، والترفيه والثقافة والرياضة والخدمات بعامة، بل في الآونة الأخيرة اتخذت الدولة خطوة هي الأولى في منطقتنا العربية بإنشاء وزارة تحت اسم "وزارة السعادة" واعتمدت الدولة برنامجا وطنيا لتحقيق السعادة والتسامح والإيجابية، وأقرت الحكومة الإماراتية وضع مصطلح "السعادة" في مجالات رئيسة ضمن سياسات وبرامج وخدمات جميع المؤسسات الحكومية لتحقيق سعادة المجتمع، واضطلعت الوزارة الوليدة ببناء بيئة العمل بهدف تحقيق السعادة لشعب الإمارات وترسيخ قيم الإيجابية والتسامح.
وفي هذا الإطار تؤكد الحكومة الإماراتية بأن وظيفة الحكومة هي تهيئة البيئة المناسبة لسعادة الإنسان الإماراتي عن طريق ترسيخ الإيجابية كقيمة أساسية في المجتمع.
وفي تصريحاته المتعلقة بمشروع "جودة الحياة" قال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سوف تكون السعادة أسلوب حياة في مجتمع دولة الإمارات، وأضاف الشيخ محمد بن راشد أن الهدف الأسمى والغاية العليا للعمل الحكومي هما إيجاد بيئة مناسبة لنشر السعادة في ربوع دولة الإمارات العربية المتحدة.
وأكد أهمية توفير بيئات إيجابية وسعيدة لجميع موظفي الحكومة في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، لأن الشيخ يرى أن جميع الوزارات ينبغي أن تكون وزارات تسعد الناس بسياساتها وبرامجها وخدماتها، إضافة إلى ذلك تعمل على تنسيق السياسات مع القطاع الخاص لتحقيق أهداف جودة الحياة وتوصيل السعادة لعامة الناس.
أما الوزيرة عهود الرومي وزيرة الدولة للسعادة أوضحت أن أهم مكونات البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية هو مواءمة خطط الدولة وبرامجها وسياساتها وتشريعاتها لتحقيق السعادة الإيجابية في المجتمع، والعمل على تحفيز الجهات الحكومية والخاصة لإطلاق وتبني المبادرات والمشاريع والسياسات لتحقيق السعادة والإيجابية في المجتمع، بل أكدت ضرورة اضطلاع المؤسسات الحكومية والخاصة باقتراح السياسات والمشاريع والبرامج الاستراتيجية العامة الهادفة لتحقيق السعادة والإيجابية، كذلك تعهدت بتطوير مؤشرات قياس مستوى السعادة، وترسيخ ثقافة السعادة والإيجابية كأسلوب حياة في المجتمع الإماراتي، ونشر الوعي بأهميتها، كذلك أفصحت الوزيرة بأن الخطة الوطنية للسعادة هي مجموعة من المبادرات الرئيسة لتطوير واعتماد نماذج مؤسسية للسعادة، وإطلاق ميثاق وطني للسعادة والإيجابية في جميع الجهات الاتحادية ووضع دليل لسعادة المتعاملين، وتطوير مؤشرات الأداء على أساس مؤسساتي كي يتواءم مع البرنامج الوطني للسعادة والإيجابية.
وواضح من البرنامج الذي أعلنته وزيرة السعادة أن دولة الإمارات العربية المتحدة سيست كل مشاريع الحكومة لتصب في قنوات تحقيق السعادة لشعب الإمارات العربية المتحدة.
والواقع أن مشروع جودة الحياة لم يكن مصطلحا جديدا على مستوى العالم، ولكنه لا شك أنه مصطلح جديد بالنسبة للمنطقة العربية، والإمارات العربية عودتنا على الإتيان بكل جديد ومفيد في مجالات التحديث وتطوير البنى التحتية للدولة.
إن العلماء المهتمين بقضايا جودة الحياة يرون أن تحليل نتائج الدراسات في مجال جودة الحياة يفضي إلى التأكيد على أن جودة الحياة تتحقق وفقا لميكانيزمات شخصية، وبالتالي يتعين على الباحثين التركيز على الجوانب الذاتية لجودة الحياة مثل تصورات وإدراكات الفرد لعالم الرفاهية الذي يتفاعل فيه، ويقارن ذلك مع مستوى طموحاته، ويؤكد هذا المعنى كل من تايلور وبوجدان إذ يقولان، إن جودة الحياة توجد في الجانب الذاتي للإنسان، إذ لا يكون لهذا المفهوم وجود أو معنى إلا من خلال إدراكات الفرد ومشاعره وتقييماته الشخصية، أي أن وجود المعايير والقيم الخارجية لا يكون لها معنى إلا في سياق ما تمثله من أهمية وقيمة بالنسبة للفرد نفسه، بمعنى أن المؤشرات الخارجية لجودة الحياة لا قيمة ولا أهمية لها في ذاتها، بل تكتسب أهميتها من خلال إدراك الفرد وإحساسه بها.
وواضح أن مشروع جودة الحياة مشروع ما زال قلقا ولم يرسُ على معايير نهائية وثابتة، والسبب أن مشروع جودة الحياة لا يمكن فصله عن مشاريع كثيرة هي في صميم برامج التنمية المستدامة لكل الدول التي تستهدف رفع مستوى معيشة الأفراد وتحقيق الرفاهية للمجتمع، بل أستطيع القول إن المشروع هو مشروع تربوي يدعو الناس إلى التسامح والعمل الدؤوب الجاد، وبذلك تتحقق السعادة والرضا عندهم، وذات الشيء إذا استعرضنا علم الموارد البشرية.. نلاحظ أن قضية سعادة الإنسان موجودة في صلب اهتمام هذه العناوين العلمية المهمة.
ونذكر - على سبيل المثال - أن مشاريع بناء المدارس والجامعات والمستشفيات والطرق والأندية والمدن الرياضية وتوفير المياه والكهرباء في الدول المتقدمة والناشئة والنامية وبناء مؤسسات القوى الناعمة.. هدفها هو جودة الحياة وتحقيق السعادة للمجتمع.
ولذلك إذا كانت دولة الإمارات قد أضافت جديدا إلى جودة الحياة، فهو اختيار جودة الحياة كعنوان من العناوين الرئيسة للحكومة والمبادرة بإنشاء وزارة لجودة الحياة، أي أن ما يميز المشروع الإماراتي هو أنه جعل جودة الحياة هدفا محوريا في جميع برامج الحكومة، ولم تعد جودة الحياة مجرد مشروع ضمني في إطار مشاريع وبرامج التنمية المستدامة، بل أكثر من هذا اتخذت دولة الإمارات - كما أومأنا - خطوة أقوى بإنشاء وزارة تعنى بمشاريع وبرامج جودة الحياة ونشر السعادة وتعميق ثقافة الإيجابية والتسامح في جميع مؤسسات المجتمع.
المشروع يدغدغ مشاعر الناس الطيبين الذين يبحثون عن وظائف شاغرة، كذلك يحرك مشاعر الناس الخيرين الذين يبحثون عن الأعمال الخيرية والتطوعية.