رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


هل نخدم «الرؤية» باليوم الدراسي الكامل؟

«رؤية المملكة 2030» لا تزال يتم تناولها من الكتاب، والمفكرين، والمهتمين بالشأن العام، وهذا وضع صحي يترتب عليه إنضاج الفكرة، وتناولها من الوجوه كافة، حتى وإن كان التركيز الأساس لها على الشق الاقتصادي، إلا أنه من المؤكد أنه لا يمكن للاقتصاد أن ينمو في أي وطن، مهما كان، دون تهيئة الإنسان القادر على الأخذ بزمام النمو الاقتصادي وفق مبادئ علمية رصينة، مع الأخذ في الاعتبار جميع عناصر النمو الصحيح من نظريات حديثة، وإجراءات دقيقة تعطي الحوكمة، والشفافية، والمحاسبة ما تستحقه من اهتمام. لا أحد يجادل أن التربية، والتعليم، في جميع المراحل تشكل المنطلق الصحيح لتهيئة الإنسان القادر على النهوض بالتنمية بصورتها الشاملة، والاقتصاد بشكل خاص، الذي هو محور "الرؤية".
تأملت في اليوم الدراسي الكامل، والقيمة المضافة التي من الممكن أن يسهم بها في تحقيق ما نؤمل تحقيقه من خلال "الرؤية". وتجدر الإشارة إلى أن الموضوع سبق طرحه من قبل المهتمين بالتربية، لكن لا أدري ما الأسباب التي أخرت الموضوع، إن لم يكن صرف النظر عنه في السابق، وربما أن الوقت، والظروف التي طرح فيها الموضوع في السابق لم تكن مناسبة، أو أن الفكرة عرضت بصورة غير متكاملة، ولم تقنع صاحب القرار في ذلك الوقت، ولذا لا أرى ضيرا في أن تقوم وزارة التعليم بدراسة الموضوع من جميع جوانبه، سواء كفكرة، وفلسفة، أو من حيث الاحتياجات، والمتطلبات، حتى تكون الرؤية واضحة، ومتكاملة، بدلا من أن تكون مجتزأة، ويصعب الاقتناع بها.
اليوم الدراسي الكامل يتطلب بيئة تربوية، ولا أقول تعليمية فقط، وهذا يقتضي أن تكون المباني المدرسية مناسبة ليقضي فيها الطلاب يوما دراسيا ماتعا، لا يشعرون فيه بالملل، والضجر، وواقع الحال يقول إن المدارس المستأجرة من المؤكد أنه لا يتوافر فيها هذا الشرط، فهي لم تبن في الأساس لغرض التعليم، بل بنيت لغرض السكن، أو لاستخدامات أخرى، فكيف تصلح لليوم الدراسي الكامل الذي يقضي فيه الطلاب جل يومهم داخلها، كما أن المبنى وحده لا يكفي، حتى مع جودته، إذ لا بد من بيئة تربوية تشعر الطلاب بالمتعة داخلها، وهذا لا يتحقق إلا بوجود طاقم إداري، وتربوي مهيأ، ومدرب للقيام بهذه المهمة، الطاقم يفترض أن يستشعر مسؤوليته بالقرب من الطلاب، والتعامل معهم باعتبارهم أبناءه، بما يتطلبه الأمر من حنان، وحرص عليهم أخلاقيا، ومعرفيا، وسلوكيا، كما أن جودة التنظيم لأنشطة اليوم الدراسي يفترض فيها الإبداع، والتخلي عن الروتين القاتل، الذي يتسبب في الملل، والنفور، خاصة مع طول الوقت الذي يقضيه الطلاب في المكان نفسه.
المراوحة بين الترفيه، والعمل الجاد، والتنويع في الأنشطة من شأنها تحبيب الطالب في المدرسة، حتى أنه يفتقدها، لو غاب عنها لأي سبب من الأسباب، ولعل مما يحقق أهداف اليوم الدراسي الكامل توفير التجهيزات بصورتها الكاملة من وجبات جيدة، مفيدة للصحة، بدلا من الوجبات السريعة، بما تسببه من أمراض وترهل ظهرت آثارهما في أبنائنا، كما أنها ليست كوجبات تلك الشركة المختصة في التغذية التي تم التعاقد معها والتي صرفت عليها الملايين، ولم تكن ذات قيمة غذائية جيدة، كما لم تجد الإقبال عليها من الطلاب، حتى تحولت إلى برنامج غذائي فاشل. كما أن من المتطلبات المراسم والملاعب، والمسرح، والزيارات الخارجية. يضاف إلى ما سبق التحول في العملية التعليمية من المنحى النظري إلى المنحى التطبيقي الذي يعطي الطالب الفرصة للممارسة الفعلية، والتجريب لاكتساب المهارات الحياتية عند التعامل مع الآخرين، وحل المشكلات، والتفكير في قضايا المجتمع، والشأن العام، لربطه بمجتمعه، بدلا من الشعور بالعزلة، والانفصال عن الواقع وتحول العملية التعليمية إلى مجرد معلومات تتبخر حال الخروج من المدرسة.
اليوم الدراسي الكامل فوائده جمة، إذا ما وفرت الظروف لنجاحه، فالطالب داخل المدرسة يكون منشغلا ذهنيا، بانيا لجسمه، مكتسبا لقيم النظام، واحترام الوقت، تبنى عنده اتجاهات إيجابية نحو مجتمعه، وثقافة وطنه، مع ما ينتج من ذلك من ولاء، وصدق انتماء. ومن المزايا حفظ الشباب من مسالك الانحراف، والتسكع في الأسواق، والطرقات، وإضاعة الوقت في المقاهي، والاستراحات، مع ما قد يصاحب ذلك من سلبيات. أيضا قد ينجم عن اليوم الدراسي الكامل التقليل من الجرائم، وحوادث السيارات الناجمة عن الشعور بالفراغ ، الذي يقود للتفحيط، والسرعة، والممارسات العبثية كافة.
قضاء معظم اليوم في المدرسة من شأنه الحد من السلوك الشرائي الجائر، وغير المنضبط، فالطالب بعد يوم طويل مملوء بالنشاطات الجسمية، والعقلية يحتاج إلى الراحة، والنوم المبكر. هذه بعض المزايا لليوم الدراسي الكامل، فهل نعيد النظر في الفكرة، وندرسها من جميع الجوانب، دراسة علمية ينتج عنها برنامج متكامل نحقق من خلاله مصلحة وطننا العليا؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي