رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


يا أولي الألباب .. ماذا نفعل في مشكلة حوادث المرور؟

عندما تلح على المجتمع مشكلة من المشكلات، فإن طريق الحل ينطلق من التفكر والتدبر؛ ومن لذلك خير من أولي الألباب. هؤلاء ورد ذكرهم في القرآن الكريم، وكان في ذلك تحفيز للجميع كي يحذوا حذوهم ويتوخوا الحكمة في القول وفي السلوك. نحن اليوم، وعلى مدى سنوات سابقة نواجه مشكلة في ارتفاع حوادث المرور، ولا نجد لها الحل المنشود. صحيح أن للمشكلة بعدا دوليا تعانيه دول كثيرة، لكن الصحيح أيضا أن لها بعدا محليا مهما علينا أن نبحث فيه ونجد الحلول المناسبة له. إنها مشكلة اجتماعية كبيرة، تعرض كل إنسان للتوتر عند انتقاله من مكان إلى آخر؛ وتؤدي في أحيان كثيرة إلى مآس، بل إلى فواجع يستطيع الإنسان العمل على تجنبها، أو الحد منها. ولعل لأولي الألباب دورا مهما في ذلك.
على مستوى البعد الدولي، يذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية WHO، صدر عام 2015، حول أمن الطرق، أن عدد وفيات حوادث الطرق على مستوى العالم، من الذين تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما تجاوز 300 ألف شخص في عام واحد. وذكر التقرير أن هذا العدد يزيد على عدد حالات القتل، وعدد حالات الانتحار، وعدد الوفيات الناتجة عن أي من الأمراض الخطيرة. وبالطبع يختلف توزيع هذا العدد ونسبته إلى عدد السكان بين دولة وأخرى، في دول العالم المختلفة.
على المستوى المحلي، تقول إحصائيات منظمة الصحة العالمية، المنشورة على موقعها على الإنترنت، إن عدد وفيات حوادث الطرق في المملكة بلغ في سنة واحدة 7898، أي وفاة واحدة كل أقل من 67 دقيقة. وإذا تم أخذ الأمر نسبة إلى عدد السكان، فإن هناك نحو 27 وفاة في حوادث الطرق لكل 100 ألف من السكان. وعلى هذا الأساس تحتل المملكة المرتبة 23 بين دول العالم في ارتفاع عدد وفيات الطرق؛ أو بالأحرى المرتبة 158 بين 180 دولة في مستوى أمان الطرق. وتبين المنظمة الدولية أن حالة المملكة لم تشهد تغيرا واضحا منذ عام 2004. ولعله من المفيد الإشارة هنا إلى وجود فجوة زمنية، قد تصل إلى ثلاث سنوات، بين الحصول على الإحصائيات وبين نشرها على المستوى الدولي.
لا شك أن حالة المملكة بين دول العالم في إحصائيات حوادث الطرق صادمة. وهي صادمة أكثر إذا نظرنا إلى مدى تناقضها مع إحصائيات حالتها المعرفية المتقدمة. فطبقا لإحصائيات "يونسكو" تحتل المملكة المرتبة 29 بين دول العالم في عدد سنوات التعليم المتوقعة للفرد، كما ورد في دليل الابتكار الدولي الصادر عام 2016. وهي أيضا تحتل المرتبة 29 ذاتها في دليل التنافسية الدولي الصادر عام 2016. ولعل في هذا الأمر دلالة على أن الرصيد المعرفي للمملكة يمكن أن يسهم في تحسين حالة أمان الطرق في المستقبل.
يكمن جوهر مشكلة حوادث المرور في سلوك الإنسان في قيادة السيارة، وكذلك في البيئة التي راكمت هذا السلوك ورسخته عبر السنين، ونقلته إلى الأجيال المتجددة بصورة مستمرة ودون انقطاع. ولا شك أن سلوك الإنسان في أي قضية مجتمعية يحتاج إلى ضوابط تبعد الضرر عنه، وتبعد أيضا إضراره بالآخرين. مثل هذه الضوابط يمكن أن تكون تشريعية ينظمها القانون ويفرض العقوبات بشأنها على من يخالفها، إذا اكتشف أمره، سواء كان ذلك عن طريق رجال أمن المرور، أو كان ذلك عن طريق أنظمة تقنية كنظام ساهر.
الضوابط التشريعية، في موضوع سلوك الإنسان، مطلوبة لكنها غير كافية، ولا بد من ضوابط ذاتية يلتزم بها الإنسان دون مراقبة ودون إجبار؛ وهنا يأتي دور أولي الألباب المنشود. ولعلنا في البحث عن مثل هذا الدور ننطلق أولا من الثلاثية المعروفة بتقييم حالة سلوك الإنسان تجاه موضوع معين وهي ثلاثية: المعرفة Knowledge؛ والموقف Attitude؛ والتصرف Practice. في مسألة المعرفة، لا شك أن المخاطر وقوانين المرور واضحة للجميع، خصوصا أولئك الذين يدركون أن الطاقة المؤثرة في حالات الاصطدام تتناسب مع مربع السرعة، خصوصا أيضا أن الحالة المعرفية في المملكة حالة متقدمة بين دول العالم.
إذا انتقلنا إلى الموقف نجد معظم الناس يشكون من حالة الطرق ومن التوتر الذي تسببه، ومن المآسي الكبيرة التي تحدث. ولكن إذا وصلنا إلى التصرف على أرض الواقع نجد أن هذا الواقع غير مرض، وأننا أمام مشكلة كبيرة علينا العمل على حلها. لا شك أن هناك قطاعا من الناس يحاولون الالتزام بقوانين المرور، بل بالذوق، والسلوك الحسن، والبديهة السليمة، في قيادة السيارة، لكن بيئة الأغلبية تحد من تأثيرهم، وربما تجبرهم أحيانا على مخالفات لا يرضونها.
بعد النظر إلى ثلاثية المعرفة والموقف والتصرف في عرض الحالة، ننتقل مع أولي الألباب إلى الدور الذي يمكن أن يؤدوه من أجل الحد من أحداث الطرق ومآسيها. ونلجأ، في طرح هذا الدور إلى ثلاثية: الدعم Advocacy، والتواصل Communication، والحراك الاجتماعيSocial Mobility". وتجدر الإشارة هنا إلى وجود أشكال عدة من الدعم في هذا المجال، إضافة إلى دعم الجهات الحكومية ذات العلاقة؛ فهناك "الجمعية السعودية للسلامة المرورية "سلامة"، وهناك أيضا المنظمة العربية للسلامة المرورية، ناهيك عن مؤسسات أخرى مهتمة.
المطلوب من أولي الألباب في كل مجال من مجالات العمل المعرفي، والعمل المهني، وفي كل نشاط اجتماعي، خاص أو عام، التواصل بشأن السلامة المرورية، مع بعضهم من ناحية، ومع الناس جميعا من ناحية أخرى. والمطلوب أيضا تطوير هذا التواصل ليصبح حراكا اجتماعيا شاملا للمجتمع بأسره من الأسرة وحتى العمل المهني، مرورا بمؤسسات التعليم، والعلاقات الاجتماعية والمهنية بين الناس، نحو وطن سعيد يلتزم أبناؤه بقوانين المرور، وآداب الطريق، وبدهيات السلوك الإنساني.
ولا شك أن الشبكات الاجتماعية يمكن أن تكون وسيلة إيجابية مؤثرة في هذا المجال، إذا حسن استخدامها في هذا الموضوع الحيوي، بدلا عن استخدامها في أمور غير مفيدة. والأمل المنشود هو أن تمتد صفة أولي الألباب إلى الناس جميعا، كي تكون الحياة أكثر أمانا وسعادة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي