رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


«قياس» .. والحد من الشهادات المزورة

يقول أحد أولياء الأمور إن مستوى ابنه التعليمي منخفض جدا رغم أن درجاته تقول إنه جيد جدا في بعض المواد وممتاز في الأخرى فهو لا يجيد الكتابة والقراءة بشكل مقبول حيث يكتب ببطء وخطه رديء جدا ويقرأ دون استيعاب لما يقرأه، وإن ابنه يخالف كثيرا من القيم الأخلاقية ومفاهيمها التي يفترض أنه تعلمها في المدارس الأمر الذي يجعلنا في صراع شبه دائم معه كي يحسن التعامل مع نفسه والآخرين، كما أنه لا يجيد اللغة الإنجليزية التي باتت مطلبا للوصول للمعلومات والمعرفة والتواصل مع العالم.
ويتساءل ولي الأمر هذا: أيعقل أن ولده سيكون قادرا على مواجهة تحديات الحياة وإتقان مهاراتها؟ وهل سيكون قادرا على المنافسة للحصول على فرص وظيفية مستقبلا في القطاع الخاص الذي يبحث عن الكفاءات القادرة على الإنتاج؟ ويجيب: لا أظن ذلك إلا إذا وجد فرصة عمل لدى الحكومة التي تحقق له الأمان الوظيفي وإن لم يرتق للمعايير القياسية لشاغليها، مؤكدا أن معظم أبنائنا يريدون العمل في الأجهزة الحكومية لأنهم لا يلبون متطلبات القطاع الخاص في القبول والاستمرارية والحصول على الترقيات.
أحد مسؤولي الموارد البشرية في إحدى الشركات يقول: أستطيع القول إن كثيرا من حملة الشهادات الجامعية وشهادات المعاهد الذين قابلتهم للعمل في الوظائف الشاغرة يحملون شهادات مزورة إذ لا تعكس "الشهادة" بمعناها العميق المستوى العلمي والثقافي والأخلاقي لحاملها. ويضرب مثلا لذلك بخريج كلية إعلام من إحدى الجامعات المحلية بدرجة عالية مع مرتبة الشرف لم يجتز المقابلة في الجوانب المعرفية وهي الأبسط فضلا عن بقية المعارف والمهارات.
ويضيف أن الحصول على شهادة صادقة أو شهادة مزورة يعتمد بالدرجة الأولى وبشكل كبير على الطالب وقيمه ومفاهيمه، ثم على مدارس التعليم العام، والمعاهد، والجامعات التي تمنح شهادات مزورة لأسباب متعددة منها ضرورة رفع نسبة النجاح والخريجين لكيلا تكون في وضع محرج بسبب ارتفاع نسب الراسبين، ويضرب لذلك مثلا حيث قابل أحد خريجي التسويق من إحدى الجامعات الأمريكية بمعدل عال إلا أن المرشح للوظيفة ذو مستوى متوسط في اللغة الإنجليزية وغير ملم حتى بمبادئ التسويق، فضلا عن نظرياته وفنونه ومهاراته، وعند سؤاله عن سبب ذلك قال إنه يعرف كيف ينتقي المواد من كليات متساهلة تهدف للربح بالدرجة الأولى وتكون اختباراتها باختيار الإجابة الصحيحة أو الخاطئة دون الحاجة إلى الكتابة ومن ثم ترسلها تلك الكليات لجامعته التي تعتمدها حسب النظام المتعارف عليه، الأمر الذي سهل له الحصول على شهادة سليمة رسمية غير مزورة.
أحد الشباب الذين يعملون في شركة كبيرة ومرموقة يقول: لم أع مكان وصية والدي لي عندما كنت أدرس في إحدى الجامعات الأهلية "لا يضحكون عليك ويعطونك شهادة مزورة" إلا بعد أن تخرجت في الجامعة وحصلت على وظيفة بشكل سريع لأني تعلمت كي أعمل لا لأحصل على الدرجات فقط كما كان يوصيني والدي دائما حيث كان يشدد على أن تكون شهادتي صادقة وتعكس مستوى قدراتي الفنية والمعرفية والمهارية في مجال تخصصي وفي مهارات الحياة.
ماذا يترتب على انتشار الشهادات المزورة بجميع مستوياتها من تعليم عام ومعاهد وجامعات بين الشباب السعودي؟ بكل تأكيد ارتفاع معدلات البطالة، وصعوبة الحصول على الوظائف والاستمرارية فيها والترقي في درجاتها، وتحمّل الشركات التي تضطر لتوظيف حاملي الشهادات المزورة لتحقيق نسب "نطاقات" المطلوبة، نفقات عالية لإعادة تأهيلهم كي يتواءموا مع متطلبات الوظائف المتاحة، وتحمّل الدولة نفقات مساندة لحاملي هذه الشهادات لسنة أو أكثر على شكل دعم رواتب وبرامج تدريبية، وكذلك انتشار السعودة الوهمية، وأخيرا ضعف تنافسية الشركات التي يعملون فيها لضعفهم فنيا، ومعرفيا ومهاريا وتواصليا.
يقول المثل "مدخلات سيئة تعطي مخرجات سيئة" وهذا عذر المعاهد والجامعات الحكومية حيث يقولون إن مدخلات التعليم المتوسط والعالي سيئة نتيجة ضعف التعليم العام الأمر الذي يرفع نسب التسرب من ناحية ويرفع نسبة الخريجين غير الأكفاء من ناحية أخرى، حيث من المحرج أن ترفع الجامعات والمعاهد نسب الطلبة الذين يتسربون قبل الحصول على الشهادة. وعلى الرغم من أن الجامعات الأهلية المحلية أثبتت عدم صحة هذه المقولة، حيث تقوم بتخريج طلبة أكفاء يتلقاهم القطاع الخاص قبل تخرجهم وهم في مرحلة التدريب المشترك مع الشركات والمؤسسات، إلا أن الدولة بادرت بتأسيس المركز الوطني للقياس "قياس" لتقديم حلول شاملة متكاملة لقياس المعارف والمهارات والقدرات وتقويمها، بمنهجية علمية؛ إسهاما في تحقيق العدالة والجودة، وتلبية للاحتياجات التنموية.
ورغم أن "قياس" وضع اختبارات للقدرات وأخرى للتحصيل الأمر الذي جعل المدارس والطلبة يحرصون على حصول الطالب على درجات في هذين الاختبارين تتواءم مع الدرجات الحاصل عليها عند تخرجه من التعليم العام، إلا أن أثر "قياس" في جودة بيئة التعليم العام والمتوسط والجامعي ما زال دون المستوى المطلوب، حيث ما زالت الشهادات المزورة تصدر ويعاني حملتها صعوبة الحصول على الوظائف خصوصا في القطاع الخاص الذي يعاني ارتفاع تكاليفهم عند توظيفهم لضعف إنتاجيتهم وكفاءتهم وتكاليف تدريبهم العالية.
نعم اتجه "قياس" لتقديم عدد من الاختبارات المهنية للجهات التعليمية للتحقق من توافر الصفات والمؤهلات المطلوبة في الأشخاص المتقدمين لشغل الوظائف الشاغرة في هذه الجهات. ومن تلك الاختبارات اختبار المعلمين والمعلمات، واختبار الإدارة المدرسية، واختبار الإشراف التربوي، واختبار الإرشاد الطلابي، إلا أن الشهادات المزورة ما زالت تمنح للطلاب لأسباب مادية أو لأسباب أخرى.
ختاما، أتطلع إلى أن يتوسع "قياس" في نشاطاته ليشمل تقييم معظم المهن ليعلم الطلبة أن الشهادات المزورة سيتم كشفها وأن حاملها لن يحصل على ما يريده من وظيفة ملائمة، ويشمل تقييم المؤسسات التعليمية العامة من خلال مؤشر تنافسي يعري المدارس المتساهلة في منح شهادات مزورة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي