صفقة القرن .. بين التفاصيل والمبدأ
طرح أو بيع أو خصخصة "أيا كان الاسم" جزئية لـ "أرامكو" يتوقع أن تكون صفقة القرن، وأن تنهي عالميا مفاهيم نفطية سادت عشرات السنين. الفكرة جريئة جدا، وقوتها تنبع من أهمية "أرامكو". وهي أهمية نابعة من موقع المملكة في عالم النفط والطاقة إنتاجا وميزات إنتاج.
من الصعب إعطاء حكم أو رأي حصيف حول الفكرة ممن هم خارج العملية دون أن يعرفوا التفاصيل، لأنه قول بلا استناد إلى علم يعتمد عليه. ولا شك أن إعطاء رأي في بعض الموضوعات المتعلقة ببيع نسبة من "أرامكو" مجابه بضعف. وبعض النقاط تتطلب معرفة ودراية قد لا تتوافر في معطي الرأي. وفوق كل ذي علم عليم.
هناك نقاط سأستعرضها، ولا ينبغي أن يفهم أنني أحصر الأهمية فيها.
لا تفترضوا الكمال في عمل الآخرين
من أولى النقاط التي تطرح في معرض التخوف من الفكرة أن دولا نفطية كدول مجلس التعاون لم تفكر أو تسع إلى ما نسعى إليه. سؤال: هل ما تفكر فيه هذه الدول بالضرورة هو الأكمل أو الأحسن تفكيرا؟ الأحسن ممارسة؟ ربما نعم وربما لا. ليس بالضرورة أن دولا لم تفكر فيما نفكر فيه أن ما رأته هو الأصوب لنا. لكل دولة ظروفها، أي أنه لا ينبغي أن نفترض الكمال فيما يراه أو يعمله الآخرون، وإلا لبقي العالم دون تطور أو تغيير عبر مرور السنين. وطبعا لا يعني ذلك إهمال فهم مرئيات وأعمال الآخرين بغرض الاستفادة منها، فالحكمة ضالة المؤمن.
الإدراج العالمي له محاسنه وفيه مخاطر
نعرف أن هناك شركات نفط وطاقة مدرجة في الأسواق العالمية. وفكرة طرح "أرامكو" في بورصة عالمية لها محاسنها ومخاطرها. وهذا موضوع مفترض أو متوقع درسه والتعمق فيه قبل تنفيذ الطرح. والمقام هنا لا يتيح الفرصة للدخول في التفاصيل، ومن جهة أخرى، لست ماهرا فيه.
الاعتماد المستقل
من أكبر المكاسب حصولنا على اعتماد مستقل من مصادر معتبرة عن احتياطياتنا النفطية. هذا الحصول مطلوب ومفيد جدا لنا. قد وظفت "أرامكو" أو الحكومة، أو لها أن توظف وبمقابل مادي طبعا من يعطي أرقاما عن الاحتياطي. لكن الآخرين لن ينظروا إليها على أنها أرقام من مصدر مستقل تماما.
الشفافية والكفاءة
قيل إن الطرح سيعزز من شفافية وكفاءة عمليات "أرامكو". في هذا شيء من الصحة، ولا يعني ذلك أن تحقيقهما متوقف على الطرح، ولكنه سيعززهما.
السيادة والقوانين الدولية
أمر يجب أن يدرس وأن تعرف تبعاته مسبقا. وأقصد بذلك تأثير الطرح ودخول شركاء دوليين على الدولة في قرارات "أرامكو"، وعملياتها. وفي هذا يدخل موضوع التعرف على المشتري. ينبغي أن نعرف مسبقا كيف سنتحكم في مخرجات الطرح من جهة هوية وتوجهات المشترين.
الملكية والامتياز
هذه نقطة أرى أنه أسيء فهمها من كثيرين. حسب فهمي القانوني، "أرامكو" لا تملك ما تحت الأرض بل تملك امتيازا. أي أن العملية تشبه قيام صاحب مزرعة بإعطاء امتياز لاستخراج الماء من مزرعته مقابل نسبة من إيرادات بيع الماء. ولكن هناك علاقة بين الثلاثة: 1 -الملكية و2 - مدة الامتياز و3 - سلطة الدولة على قدر الإنتاج اليومي. عندما تسمح بنود ومدة الامتياز بإخراج معظم الاحتياطي، فإن الفرق بين الملكية والامتياز لا يصبح ذا بال.
علام تتحدد قيمة «أرامكو» سوقيا؟
مما سبق نفهم أن هناك عوامل أربعة أساسية مؤثرة في قيمة الطرح: 1 - مدة الامتياز و2 - طبيعة بنود الامتياز الأخرى بما في ذلك أي قيود على حجم الإنتاج اليومي وعلى المشترين و3 - حجم الاحتياطي و4 - ربحية الشركة. ومن المهم معرفة أن هذه الأرباح غير ما تتقاضاه الدولة من مبيعات النفط "يحكمها نظام ضريبي" جراء حق الامتياز، فهذه تعد ضمن مصروفات أو تكاليف الإنتاج. أما أرباح الشركة فستتقاسمها الدولة طبعا مع من يدخل شريكا في ملكية "أرامكو".
تأثير خصخصة جزئية في أسعار منتجات «أرامكو» محليا
طرح "أرامكو" عالميا سيؤثر في أسعار منتجات النفط والغاز المباعة محليا في الناس وفي التحلية وفي الشركات كسابك وشركة الكهرباء. ومن ثم فهذه تؤخذ في الحسبان. وهذا له علاقة بتوجه الدولة نحو تخفيف الدعم عن استهلاك الطاقة محليا. من جهة أخرى، هذا الموضوع له علاقة ببنود الامتياز. ولكن، وبصورة عامة، لا مدح أو ذم للامتياز عند دخول شركاء دوليين دون معرفة طبيعته وتفاصيله.
هدف الطرح
ما أفهمه أن أهم أو من أهم أهداف الطرح الحصول على الكاش لاستثماره عبر صندوق الاستثمارات العامة محليا وعالميا، بما يعطي عوائد تقلل من اعتماد المالية العامة على إيرادات بيع النفط.
الإشكال في نظري ليس في هذا الهدف ولكن في كيفية تحقيقه، وأن يتم تبني استراتيجية وسياسة تحقق لنا أيضا هدفا ثانيا لا يقل أهمية. هذا الهدف يتمثل في مساعدتنا على تنويع وتعميق مصادر الدخل.
كيف؟
إضافة إلى هدف توفير كاش لصندوق الاستثمارات، نريد أيضا طرحا أو خصخصة تنقل لنا تقنية وتدريبا وتوزيعا في أنشطة ومجالات إنتاجية نفتقر إليها وخاصة في المجال الصناعي. نريد من الطرح أن يسهم في تنويع مصادر دخل الاقتصاد إضافة إلى تنويع مصادر دخل الدولة.
يحضرني في هذا صناعات عديدة أذكر منها صناعة آلات استخراج ونقل وتكرير النفط، وصناعة المعدات الثقيلة ووسائل النقل العام والسيارات. كما أذكر الصناعات الأساسية وغير الأساسية غير المعتمدة على النفط والغاز، والصناعات المعتمدة على تقنية عالية. وبصفة عامة نريد من فرصة الاكتتاب أن تسهم في 1 - زيادة وترسيخ توطن المعرفة التقنية والمهنية في بلادنا. 2 - تمتين القاعدة الصناعية في بلادنا، ليصبح نصيبها في الناتج المحلي لا يقل عن 20 في المائة في غضون بضعة عشر عاما، بينما هي نحو نصف هذا الرقم حاليا.
تحقيق الطموحات السابقة يتطلب جودة تخطيط ومفاوضات وجهادا وتضحيات وصبرا. لابد أن عند الآخرين مرئياتهم وما يرونه نقاط قوة ونقاط ضعف، ولكن علينا بذل كل جهد لتعظيم نقاط القوة وتصغير نقاط الضعف. وقد فعل مثل ذلك الوزير الراحل غازي القصيبي وزملاؤه قبل 40 عاما عند تأسيس "سابك".