رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


ماذا وراء انسحاب «بان كي مون» من الحياة السياسية؟

من بعد عشر سنوات عجاف قضاها في منصبه كأمين عام للأمم المتحدة، من دون أن يحقق شيئا يمكن أن يحسب له، عاد "السيد قلق" إلى بلاده، كوريا الجنوبية، ممنيا النفس بالحصول على المنصب الأعلى فيها، خصوصا أنه كان قد ألمح إلى ذلك قبل انتهاء مدة ولايته الثانية على رأس المنظمة الدولية، ناهيك عن أن عودته تزامت مع استعدادات كوريا الجنوبية لإجراء انتخابات رئاسية قبل نهاية العام الجاري، لاختيار رئيس جديد للبلاد، بدلا  من الرئيسة الحالية "غوين هي بارك"، التي صوت البرلمان الكوري على مساءلتها حول قضايا تتعلق بالفساد والتكسب من منصبها، تمهيدا لعزلها بحكم من المحكمة الدستورية.
و"السيد قلق" هو الاسم الذي أطلقه كثيرون على "بان كي مون" كناية عن ضعف إدارته للأمم المتحدة واكتفائه بإصدار بيانات يعرب فيها عن قلقه بشأن الحرائق الدولية المستعرة، بدلا من محاولة إطفائها، وهو ما عرضه لموجة من السخرية حول العالم لم يتعرض لها أي من أسلافه.
ومنذ اليوم الأول لوصوله إلى مطار انتشون الدولي بالقرب من سيئول قادما من نيويورك، بدا واضحا أن "السيد قلق" قد قرر خوض السباق الرئاسي، وأنه سيعتمد في التنافس ضد المرشحين الآخرين المحتملين على عدد من العوامل، أولها أنه يحظى بشعبية لا بأس بها عند مواطنيه بدليل وجود أعداد معتبرة منهم في المطار لاستقباله والهتاف له، وثانيها أنه ليس وجها غريبا على الساحة السياسية الكورية، كونه شغل في الماضي عددا من الحقائب الوزارية مثل الخارجية والتجارة، وأسندت إليه وظائف دبلوماسية في نيودلهي وواشنطن وفيينا، ناهيك عن عمله في فترات متفرقة كمستشار للرئيس للسياسة الخارجية وككبير مستشاري الرئيس للأمن الوطني وكمدير عام في الخارجية للشؤون الأمريكية، وثالثها أنه يحمل مؤهلات علمية عالية مثل درجة الماجستير في الإدارة العامة التي نالها في عام 1985 من معهد جون كينيدي لشؤون الحكم في جامعة هارفارد.
وسرعان ما تبين أن فكرة الدخول في السباق نحو البيت الأزرق الكوري "مقر إقامة رئيس جمهورية كوريا الجنوبية" قد اختمرت في رأس "السيد قلق" بدليل ظهوره المتكرر في بعض الأنشطة والفعاليات الاجتماعية الهادفة إلى تعزيز الصورة الإنسانية لمن سيكون رئيسا للبلاد. غير أن عمله هذا جاء بمردود عكسي، وأثبت مدى انفصاله عن واقع بلده وشعبه، بل وسرعة وقوعه في هفوات لا تليق بالمرشحين للرئاسة. فهو مثلا بدا جاهلا بكيفية قطع تذكرة لركوب القطار إلى مسقط رأسه، وحينما عطش اشترى زجاجة مياه من نوع إيفيان الفرنسي بدلا من أن يشتري من النوع الكوري المتداول، وارتدى "المريلة" لإطعام سيدة طاعنة في دور للعجزة، رغم أن الأخيرة لم تكن ترتديها، ولبس ملابس واقية خاصة عند تجربة رش نوع من المطهرات، رغم أن كل من كانوا حوله ارتدوا ملابس عادية. ولم يفت "السيد قلق" بعد أن قرأ انتقادات لتصرفاته هذه في الصحافة الكورية، أن يبدي "قلقه" من بعض الجهات "الخبيثة" التي تحاول النيل منه.
والحقيقة أن "السيد قلق"، على الرغم من خبراته ومؤهلاته ومناصبه الكثيرة التي تحدثنا عنها، لم يعط قط انطباعا حول امتلاكه مواهب قيادية متميزة من تلك التي تحتاج إليها دولة صناعية صاعدة في وزن كوريا الجنوبية، خصوصا في وقت تواجه فيه الأخيرة تهديدات متصاعدة من جارتها المشاغبة الشريرة في الشطر الشمالي من شبه الجزيرة الكورية.
ومن هنا رأى كثيرون من متابعي الشأن الكوري أنه إذا ما دخل "السيد قلق" السباق الرئاسي فعليا وصار رئيسا فإن الأمر سيكون بمثابة كارثة كبيرة. وبكلام آخر فإن كوريا الجنوبية ستكون في عهده عرضة لقرارات وسياسة رخوة غير حازمة على شاكلة سياسات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، بدليل طريقة إدارته للأمم المتحدة، ثم تصريحاته التي توحي أنه سيتودد إلى زعيم بيونجيانج الدكتاتور "كيم جونج أون"، بغية إعادة توحيد شطري شبه الجزيرة الكورية بأي ثمن. حيث سجل عنه قوله "أنا مستعد لفعل أي شيء لتوحيد كوريا بما في ذلك حرق جسدي".
وربما لهذه الأسباب مجتمعة قابل بعض الساسة الكوريين الجنوبيين مبكرا فكرة ترشحه للرئاسة بالقول "إنه غير مؤهل للترشح لرئاسة البلاد". فمثلا قال "لي جيه ميونج" عمدة مدينة "سونج نام"، "إن أحد المعايير الرئيسة فيما يتعلق بمؤهلات المرشح الرئاسي هو تحقيق الإنجازات في الوظائف العامة السابقة، وعدم التكسب من هذه الوظائف بطريقة غير مشروعة، والشجاعة في محاربة فساد الطبقة المميزة بضراوة، وهذه كلها مؤهلات غير متوافرة في السيد بان كي مون".
غير أن ما صعب الأمور كثيرا أمام "السيد قلق" لتحقيق طموحاته في رئاسة بلد له حساسية شديدة إزاء الضالعين في قضايا الفساد والإفساد، ليس هذا ولا ذاك، إنما قيام الولايات المتحدة في نهاية العام المنصرم بتقديم عريضة أمام محكمة اتحادية في مانهاتن تتهم فيها الشقيق الأصغر لـ "السيد قلق" وابن شقيقه بتقديم رشوة لمسؤول في إحدى دول الشرق الأوسط من أجل إتمام صفقة بيع مجمع مبان في فيتنام مقابل 800 مليون دولار، وهي الأخبار التي وصفها "بان كي مون" فورا بأنها "مقلقة".
وبسبب هذه الأخبار غير السارة لـ "لسيد قلق"، ثم بسبب اتهامات كشفت عنها أسبوعية "سيسا" حول تلقيه مبلغ 200 ألف دولار أثناء توليه حقيبة الخارجية في عام 2005، فمبلغ 30 ألف دولار في عام 2007 من أحد رجال الأعمال المحليين، فإن شعبيته في استطلاعات الرأي تراجعت بنسبة أربع نقاط لمصلحة المرشح المحتمل في السباق الرئاسي "مون جيه إن" الزعيم السابق للحزب الديمقراطي، وذلك بحسب وكالة "يونهاب" الكورية الجنوبية التي استطلعت آراء 2022 مواطنا كوريا.
وهكذا أدرك "السيد قلق" في نهاية المطاف أن تورطه في قضايا فساد سيكون عائقا أمام وصوله إلى البيت الأزرق، فقرر أن يؤثر السلامة، وينسحب من الحياة السياسية غير مأسوف عليه.

 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي