كيف نتعامل مع الغرباء داخل منازلنا؟

إن ظاهرة وجود الخدم والسائقين في منازلنا التي أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا اليومية نختلف به عن الكثير من الدول والشعوب باستثناء دول الخليج؟ السائقون والخادمات أصبحوا جزءا من أعرافنا، رغم أن وجودهم يتناقض مع أهم عناصر ثقافتنا، خصوصا أن بعضا منا أدخلوهم منازلهم وتركوا لهم الحبل على الغارب دون حسيب أو رقيب.  
فتجد الرجل الأجنبي (السائق) يخلو بجميع أفراد الأسرة من الطفل الرضيع إلى الشيخ الضرير، ويعرف كل شاردة وواردة وكل صغيرة وكبيرة عن كل فرد، وقد يستغل اللئيم منهم ذلك إذا أتيحت له الفرصة. كما أن الخادمة تتنقل بين ردهات المنزل بكل حرية وكأنها جزء من العائلة، بل تُعتبر حافظة الأسرار والمطلعة على الحقائق والأخبار. ويعرف هؤلاء الأغراب أدق التفاصيل ويصلون ببصرهم وأجسادهم أحيانا إلى أماكن يصعب تصديقها، وقد يطلعون على العورات بقصد ودون قصد وما الذي يمنعهم؟ فمفاتيح المنزل تسلم لهم ومفاتيح الغرف الخاصة بحوزتهم وكل شيء بين أيديهم.
وعندما يسأل البعض عن سبب صولة وجولة الخدم والسائقين في جميع ردهات المنزل يجيب بكل سذاجة ويقول "إنهم أصبحوا ضرورة لا غنى عنها". ونحن نقول إن الضرورة تتمثل في وجودهم وليس في تمكينهم من كل مفاصل البيت. نعم قد يكون وجودهم ضرورة عندما تكون هناك أسرة اضطرها طلب الرزق أن يعمل الرجل في مدينة والمرأة في مدينة أخرى. الزوج هنا لا يعاني مشكلة في تنقلاته يغدو ويروح بسيارته ويتنقل بحرية دون قيود، ولكن المشكلة تواجه المرأة وبنيها فلا توجد وسيلة نقل عامة معتبرة تليق ببلدنا تنقل المرأة إلى عملها والأبناء إلى مدارسهم، ولا تتوافر سيارات أجرة في كثير من المناطق باستثناء المدن الرئيسة؟ كما أنه يحرم على المرأة شرعا أن تتنقل بنفسها وأبنائها في سيارة خاصة في فتوى لم نسمع عما يماثلها من قبل، ولا أظننا سنسمع عنها في المستقبل. مثل هذه الحالة قد يطلق عليها ضرورة، رغم أنني لا أؤيد أن يبتعد الرجل عن بيته لأي سبب ويسلم إدارة المنزل لامرأة غريبة (خادمة) ولرجل أجنبي يطلق عليه سائق.
ولكن كيف نتصرف؟ وكيف ندير أسرنا بطريقة تحفظ علينا منازلنا وتحمينا من هؤلاء الأغراب الذين يعيشون بيننا؟ طالما وجود السائقين والخدم في منازلنا هو قدرنا؛ فكيف نتعامل معهم حتى نحمي منازلنا وأبناءنا من جنوحهم، وألا نضطر إلى ظلم من هم تحت إمرتنا منهم؟ فالسائقون والخادمات ليسوا عبيدا أو جواري بل أحرار، وقد يكون بعضهم من عائلات عريقة بغى عليهم الزمن حتى اضطرهم إلى أن يخدموا غيرهم ويتكبدوا من أجل ذلك مشقة السفر ومرارة الغربة. يجب أن نأخذ الموضوع بجدية، وأن نعيد النظر في واقعنا، وفي الفكر الأخرق الذي يحمله بعضنا وضيق الأفق الذي نراه حولنا.
بطبيعة الحال كثير من العائلات تستطيع أن تستغني عنهم، ولكن إذا كان وجودهم ضرورة؛ فعلى الأسرة وضع حدود لمهمة السائق والخادمة على هيئة وصف وظيفي لكل فئة كما تعمل الشركات عند قيامهما بتوصيف الوظائف. ويجب أن يظل السائقون والخادمات على حدود عملهم ويقروا بها ويرضوا بالقيام بها، ولا ينبغي أن يكون هذا الوصف شفهيا بل يجب توثيقه بعقود حتى يعرف الكل بالضبط حقوقه وواجباته. وكذلك يجب أن يكون سكنهم بعيدا عن منزل العائلة، خصوصا السائق، ولتكن مهمته فقط قيادة السيارة وبعض الأمور الخارجية التي لا تمكنه من الاطلاع على عورات المنزل. المهم ألا يعلم هؤلاء ـــ سائقا كان أم خادمة ـــ عن أمور أهل البيت شيئا يذكر إقامتهم، سفرهم، خططهم، مواردهم، علاقاتهم، كل هذه الأمور يجب أن تخفى عليهم تماما.
كما أن للجهات الرسمية دورا في مساعدة الأسر في الاستغناء عنهم، ومنها على سبيل المثال توفير وسائل نقل عامة تليق بنهضتنا تتولى نقل الموظفين والموظفات والطلاب والطالبات من وإلى المؤسسات والمدارس والجامعات، كما هو معمول به في جميع دول العالم. وعند اكتمال بناء هذه المشاريع داخل المدن والمحافظات يجب أن يمنع على أي عائلة أن تستقطب سائقا إلا في الضرورة القصوى ووفقا لشروط ومبررات كافية ومقنعة. كما يجب منح المرأة درجة من الحرية من أجل أن تدبر أمرها وتدير منزلها وتسد بعض الثغرات عند غياب زوجها دون الحاجة إلى زرع رجل غريب (السائق) يتولى مهمة الأب في غيابه. تستطيع الزوجة أن تحمل أبناءها وتقضى حوائجها بسيارتها، وإن كانت عاملة فيمكنها أن توصل أبناءها إلى مدارسهم ثم تذهب إلى عملها وفي الظهيرة تعود إلى منزلها، بعد أن تتفقد أبناءها بنفسها في مدارسهم في نهاية اليوم الدراسي.   وهذا الكلام ليس غريبا ولا يعتبر شاذا، فإدارة الأب والأم أمور الأسرة دون تدخل الغرباء هو الأمر الطبيعي والمفترض في جميع الأمم والشعوب كما أن العقل يقول هذا، والمنطق يقول هذا، والشرع الحنيف يقول هذا.  
وأريد أن أختم فأقول إن وجود غرباء داخل الأسر لأمر ليس بالهين كما يعتقد الكثيرون، وإنني والله لا أتعجب من تحرش سائق بطفل أو تعدي خادمة على رضيع، بل أتعجب من تسليم المواطن السعودي زوجته وأبناءه وبناته إلى هؤلاء الغرباء، وبعد أن تقع الواقعة يعولون ويصولون ويتهمون وينتقدون.  

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي