صندوق الاستثمارات وشركات المشاعر

في "رمضان" الماضي نشرت مقالين هنا ذكرت فيهما ضرورة تدخل الدولة لإعادة مسار الاستثمار في "مكة المكرمة"، التي تعد ثروتنا الاقتصادية المستقبلية بعد مشاريع جبارة قادتها الدولة عززت فيها الخدمات والبنية التحتية لتكون جاهزة لاستقطاب 20 مليون معتمر سنويا بحلول 2020 و30 مليون حاج ومعتمر بحلول عام 2030، وقلت وقتها إن اقتصاد الحج والعمرة الحالي ما زال ضعيفا وبدائيا لا يتناسب مع جهود الدولة، ولا مع رؤية المملكة المعلنة، ولم يعد من المقبول أن تظل هذه الثروة المستقبلية تحت سيطرة مؤسسات فردية تعاني الاحتكار، والتستر والتقليدية، وسيطرة الوافدين، وهي في واقعها الحالي عبء على الاقتصاد الوطني، ولم تضف إلينا ما يستحق أن يذكر رغم السنوات الطويلة في خدمات الحج والعمرة.
 وما زلنا - كمهتمين بالتنمية - نحلم بصناعة حركة اقتصادية عملاقة في مجال "الحج والعمرة" تحمل هوية وطنية، ولن يكون هناك أفضل من هذا الوقت.
وهذا مرتبط بإعادة تهيئة كاملة لكل المؤسسات التي تعمل في مجال "الحج والعمرة لتتحول من النمط الفردي البسيط إلى النمط المؤسسي العملاق؛ ليحاكي نماذج الاندماج والاستحواذ العالمية التي جعلت البقاء للأقوى فقط.
وفي "سبتمبر" الماضي نشرت "الاقتصادية "أولى مبادرات "صندوق الاستثمارات العامة "بتأسيس وتشغيل "شركة المشاعر المقدسة للتنمية والتطوير،" في إطار برنامج التحول الوطني؛ حيث ستقوم الشركة وفق التقرير المنشور برفع كفاءة أداء الخدمات، مثل التكييف والمياه والكهرباء والنظافة، وفصل حركة المشاة عن حركة وسائط النقل، كما تتولى الشركة تهيئة وتجهيز المشاعر لاستثمارها والاستفادة منها على مدار العام من قبل المعتمرين والزوار؛ لما تحتويه من تجهيزات وآثار دينية وبيئة جاذبة، وهي تمثل المرجعية النظامية لتطوير المشاعر.
كما يتضمن نطاق عمل "شركة المشاعر" القيام بعمليات إنشاء المباني على سفوح الجبال وداخل حدود المشاعر المقدسة، التي ستخصص لسكن الحجاج خلال فترة إقامتهم في المشاعر المقدسة، وإنشاء وتجهيز كل المرافق المرتبطة بهذه المساكن من دورات مياه وطرقات ومرافق خدمية، وصيانتها وتشغيلها.
والحقيقة، إن هذه المبادرة الرائدة من "صندوق الاستثمارات العامة" جاءت في وقت مهم جدا، وما زلت أتمنى أن يقود الصندوق إنشاء شركات مساهمة أخرى لتغطي كل الخدمات المقدمة في مجال "الحج والعمرة"، فالسوق لا تزال واعدة بالفرص الكبيرة.
والتنافس القوي سيكون له مردوده في جودة الخدمات المقدمة، ونحن بحاجة إلى مزيد من الشركات الضخمة في مجالات الخدمات الأخرى مثل النقل والتسويق والطيران والفنادق والتغذية والخدمات الصحية وسياحة ما بعد الحج والعمرة وغيرها.
وفي رأيي؛ فإن لم يتحقق ذلك وخلال فترة قصيرة فستبقى المؤسسات الفردية بأدائها الرتيب هي المسيطرة، وبالتالي لن يتحقق لنا ما نرجوه من الأعداد المتزايدة للحجاج والمعتمرين سوى أرقام فقط.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي