بدلا من محاكمتهم .. يحاولون إيجاد مخرج لهم
ارتكبت حركة طالبان من الحماقات والأعمال المشينة بحق الإنسان الأفغاني ما يندى له الجبين خلال فترة حكمها الأسود لأفغانستان التي امتدت من عام 1996 إلى 2001، سواء لجهة كبت الحريات وتحريم السفر والعمل والتعليم والرسم والتصوير والغناء والموسيقى وارتداء الملابس الغربية والاستماع إلى الراديو ومشاهدة الأفلام وغيرها، أو لجهة استخدام العقوبات الوحشية بحق المخالفين من تلك التي تراوحت ما بين الجلد والرجم في الساحات العامة والإعدام رميا بالرصاص، ودفن المدانين أحياء تحت التراب، أو لجهة توفير الملاذ الآمن والدعم لحركات إرهابية متطرفة كتنظيم القاعدة تحديدا.
المثير للسخرية هو أن حركة طالبان طالبت المجتمع الدولي أخيرا، باسم حقوق الإنسان، أن ترفع أسماء بعض قادتها من القوائم الدولية السوداء، كي تتاح لهم حرية السفر والتنقل، بل اعتبرت أن تحقيق هذا المطلب سوف يسهم في عودة السلام إلى أفغانستان، و"يعزز الأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة" المتمردة على حكومة كابول المعترف بها دوليا، وذلك طبقا لسهيل شاهين، الذي يترأس مكتب طالبان في الدوحة، وهو مكتب افتتح في العاصمة القطرية في عام 2013 ليعمل كقناة لمفاوضات تفضي إلى سلام دائم وشامل في أفغانستان، لكنه لم يحقق أي نجاح.
وبهذا ينطبق على الطالبانيين مثل "اللي اختشوا ماتوا" وهو مثل مصري متداول منذ القرن التاسع عشر، ويطلق على الذين لا يخجلون في أقوالهم وأفعالهم، إلى درجة يصح معه القول، إن الأشخاص الذين كانوا يخجلون ويحترمون أنفسهم قد ماتوا ولم يبق منهم أحد.
أما الأمر الأكثر سخرية فهو أن باكستان والصين وروسيا الاتحادية ـ وكلها دول أسهمت بطريقة أو بأخرى في صناعة الأزمة الأفغانية في فترات مختلفة ـ تبنت مقترح حركة طالبان المشار إليه، وذلك في محاولة مفضوحة لتبرئة ساحتها، بدلا من أن تصر بكين وموسكو (على الأقل) على مطاردة قادة الحركة والقبض عليهم والإتيان بهم إلى الجنائية الدولية لمحاكمتهم مثلما تمت محاكمة قادة دول أخرى ربما لم يرتكبوا بحق شعوبهم ربع ما ارتكبه الطالبانيون من جرائم بحق الإنسان الأفغاني المعذب، خصوصا أن الصينيين والروس لهم ثارات معروفة مع الطالبانيين.
لكن يبدو أن السياسة وألاعيبها وتحالفاتها فرضت نفسها على المشهد، فجعلت موسكو وبكين تنسيان الماضي وتتبنيان المطلب الطالباني، لنجد أنفسنا أمام تحالف صيني ـ روسي ـ باكستاني في مواجهة محور نيودلهي ـ كابول ـ واشنطن.
والمعروف أن هناك سباقا وتنافسا قويا ما بين الهند وباكستان للظفر بعلاقات استراتيجية متينة مع نظام الرئيس الأفغاني أشرف غني تجلت مظاهره في المؤتمر الدولي الذي انعقد قبل فترة قصيرة في "ارميتسار" الهندية حول سياسات الرعاية الاجتماعية الكفيلة بإخراج أفغانستان من سنوات من التشدد والتطرف والإرهاب.
ففي هذا المؤتمر، الذي جاء ضمن سلسلة مؤتمرات "قلب آسيا" الهادفة إلى إعادة تعمير أفغانستان وتعزيز أمنها من خلال التعاون بين القوى الدولية والقوى الإقليمية في جنوب آسيا وغربها ووسطها، شن الرئيس أشرف غني هجوما لاذعا على إسلام آباد وحملها مسؤولية تويتر الأوضاع في بلاده عبر دعم الإرهاب الطالباني. كما رفض غني أمام المؤتمرين عرضا باكستانيا بتقديم مساعدة لأفغانستان بقيمة 500 مليون دولار، قائلا، "أنصح باكستان باستخدام المبلغ في احتواء التطرف والعنف الموجه لنا"، ومستشهدا بما ورد على لسان الزعيم الطالباني "الملا رحمت الله كاكازادة" من أنه "لولا قيام باكستان بتوفير الملجأ والملاذ لنا لما تمكنا من الصمود لشهر واحد" (كرر أشرف غني هذا الكلام في مقابلة صحافية أجرتها معه صحيفة الشرق الأوسط في التاسع من كانون الثاني (يناير) الماضي.
في الوقت نفسه أشاد الرئيس الأفغاني بالهند وما تقدمه لبلاده من مساعدات شفافة والتزامات بتحقيق السلام والرفاه للشعب الأفغاني. وبقدر ما أسعدت هذه الإشادة رئيس الحكومة الهندية "ناريندرا مودي" الذي مثل بلاده في المؤتمر المذكور، الذي حضرته 21 دولة تحت صفة "الدول الداعمة"، فإنها أغضبت وأحرجت ممثلي باكستان وحليفتها الصينية.
وجاءت عملية قندهار الإرهابية التي قضى فيه ثلة من الدبلوماسيين الإماراتيين المسؤولين عن ملف تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الأفغاني لتفضح دور إيران القذر في أفغانستان ودور من يسهلون لها تدمير الأوضاع في هذا البلد المدمر أصلا. فقد أكد عضو البرلمان الأفغاني الحاج مولوي محمدي، في حديث له إلى صحيفة الشرق الأوسط (13 /1 /2017) وجود تدخلات في الشؤون الأفغانية من دول الجوار، ووجود دعم مباشر وسخي من طهران للجماعات الأفغانية المذهبية والمتمردة، مشيرا إلى اجتماع ثلاثي عقد في موسكو بين إيران وروسيا وباكستان حول أفغانستان دون مشاركة الأخيرة.