التاريخ وعاء السنن والقوانين
في التاريخ عبر، ودروس، ويا لها من دروس، لكن ليست لكل أحد، بل الدروس، والعبر لمن يدرس التاريخ دراسة واعية، يفقه فيها الفرد الحدث كيف تم، ولماذا، وما الآثار الناجمة عنه، وبدون الحصول على إجابات لهذه الأسئلة لا يمكن تحقيق الفائدة المرجوة.
خلال مسيرة الإنسان على كوكب الأرض حصلت تحولات ضخمة، إذ وجدت حضارات، وأمم كان لها صولة، وجولة، وامتداد، ونفوذ، وقوة، لكن ما لبثت أن زالت، ولم يبق منها إلا آثارها، وقد حدثنا القرآن عن هذه الأقوام، وما كانت عليه، وكيف زالت من الوجود، لأخذ العظة، والعبرة، حتى نتقي، ونتجنب المصير الذي انتهت إليه.
في قرون مضت حكم المسلمون جزءا من إسبانيا، وأسسوا دولة الأندلس، التي امتدت ثمانية قرون، لكن ما لبثت أن زالت بفعل الخلافات بين الملوك، والأمراء، والحروب فيما بينهم، حبا في المنصب، والنفوذ.
بريطانيا حكمت مناطق شاسعة من العالم، حتى أطلق عليها بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس، لسعة المناطق التي تخضع لنفوذها، وها هي الآن تقبع داخل جزرها، ويضمحل ذلك النفوذ، وما يقال عن بريطانيا يقال عن فرنسا، وحروب نابليون، ومستعمراتها في إفريقيا، وبعض الدول العربية، الإفريقية، والآسيوية، لكن ما لبثت السنة الإلهية أن عملت بها ما حصل لغيرها، ولو بحثنا في السبب لوجدنا أن المحتل الغربي جاء بقواته ناهبا الثروات، ومحطما الثقافات، وفارضا لغته، وثقافته، ويكفي أن نذكر ما حدث في الهند من قبل المحتل البريطاني، وكذلك ما حدث في بلاد المغرب العربي على يد الفرنسيين من جهود لمسخ هوية أبناء تلك الأوطان، ولا ننسى الدولة العثمانية، وتوسعها، جنوبا، وشمالا، حتى وصلت فيينا، وسادت قرونا، لكن انتهى الأمر بها كغيرها، ويحدثنا التاريخ أن أخطاء إدارية، إضافة إلى خيانات جيران تركيا الصفويين، مع نزعة القومية العربية التي سرت بفعل الخبث الغربي، كل هذه أسهمت في سقوط الدولة العثمانية.
في العقود المتأخرة نتذكر جميعا الاتحاد السوفيتي، وما كان له من نفوذ، وطغيان مكنه من الهيمنة على دول عدة، منها دول إسلامية، ومنها غير ذلك، كلها كانت تخضع لبطش السوفييت، ونتذكر اجتياح براغ عاصمة تشيكوسلوفاكيا السابقة، حين حاولت الخروج عن عصا الطاعة، وكذا ما حدث في بولندا التي تأسست فيها حركة تضامن بقيادة فالنسيا احتجاجا على القمع، والاستبداد العسكري الموالي لموسكو السوفيتية، أما التدخل السوفيتي في إفريقيا، وأمريكا الجنوبية فتمتلئ الكتب بما يكشف سوأة النظام الفاشي الذي سعى إلى سلب الناس إنسانيتهم، والتعامل معهم كآلات صماء تتحرك بجهاز التحكم عن بعد. الغزو السوفيتي لأفغانستان وما ترتب عليه من ظلم، وقتل، واستباحة لكرامة الناس، وتدمير لممتلكاتهم لينطبق على ذلك الوضع قوله تعالى "وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل"، هذا السلوك كانت نتائجه وخيمة، حيث تفكك الاتحاد السوفيتي، وتناثرت أجزاؤه، لتعود كل دولة إلى جذورها، وتتحكم في مواردها، وتبني نفسها من جديد.
أمريكا بقوتها العسكرية، والاقتصادية، ونفوذها السياسي مارست دور الإمبراطورية في عالمنا العربي، والإسلامي، حين غزت أفغانستان، والعراق وما ترتب على ذلك من قتل، وتدمير للبنى التحتية، وتمزق اجتماعي لم تعهده الدولتان، وقبل ذلك ما فعلته من حروب، وانقلابات في أمريكا الجنوبية، طابع هذه الأعمال الظلم المستند إلى القوة المسلحة.
قول الله -عز وجل - "وتلك الأيام نداولها بين الناس" قانون لا يستثني أحدا في الفقر، والغنى، والقوة، والضعف، والوحدة والثشتت، خاصة متى ما ساد الظلم، وحاد الناس عن القيم التي تحقق للناس كرامتهم، فمنطق القوة الذي يملي على مالكها استخدامها في أبشع الصور لا يمكن أن يكون مآله إلا التراجع في كافة المجالات الاقتصادية، والسياسية ووحدة التراب، والوطن الذي هو الأساس، فمتى سرت نزعة الانفصال حدث التمزق، وحل البوار والبوم.