لا للهجرة
تجتذب أفضل اقتصادات العالم وأكثرها ديناميكية وتميزا ونبلا المهاجرين الباحثين عن الأمان والعدالة أو النجاح وتحقيق الأحلام. وتعد الولايات المتحدة الوجهة المتصدرة للمهاجرين من شتى أصقاع المعمورة، حيث بنيت تلك البلاد على أكتاف المهاجرين وسلالاتهم المشكلين للأغلبية الساحقة من سكانها. وينظر إلى الولايات المتحدة على أنها البوتقة التي تذوب فيها الشعوب والثقافات، وهي أكبر دليل على عدم اعتماد التقدم العلمي والتقني والاقتصادي على العنصر أو العرق أو الدين أو الأصل الوطني والقبلي، بل إن التعددية العرقية والدينية والثقافية تسهم في إثراء المجتمعات بثقافات وأفكار وأنشطة لا حصر لها. وترحب تشريعات وسياسات الولايات المتحدة منذ إنشائها بالمهاجرين وتسهل توطينهم، حيث يزيد عدد الأمريكيين المولودين خارج الولايات المتحدة حاليا على 40 مليون شخص يمثلون نحو 13 في المائة من السكان. وينشط هؤلاء في بناء التفوق الاقتصادي والعلمي والعسكري والتقني الأمريكي، حيث يحصلون على نحو 36 في المائة من براءات الاختراع الأمريكية، إضافة إلى ذلك فإن 10 في المائة من براءات الاختراع هي لأبناء مهاجرين مولودين خارج الولايات المتحدة. ويشكل المهاجرون ثلثي الحاصلين على شهادات الدكتوراه في التخصصات العلمية والتقنية في الولايات المتحدة.
يرفع تدفق المهاجرين إلى أي بلد المنافسة بين السكان والأفكار والتقنيات، وترتفع المنافسة في الولايات المتحدة لأنها تجتذب وترحب بأفضل العقول في العالم. وتساعد المنافسة الحادة والبنية الأساسية والقانونية للعمل والدراسة والبحث في الولايات المتحدة على تحقيق النجاح السريع للتقنيات المتميزة ما يجعلها الدولة الأكثر تقدما في العالم. وتسببت قرارات الرئيس المنتخب ترمب بالحد من الهجرة في توليد صدمة عنيفة لكثير من سكان وشركات الولايات المتحدة، حيث أحدثت موجة غضب عارمة لأغلبية الشعب الأمريكي والمنظمات الدولية والدول المنفتحة على الهجرة لأسباب اقتصادية وإنسانية. ويعتقد كثير من المعارضين لهذه القرارات أن هناك دوافع خفية خلف هذه القرارات تتمثل في العنصرية والتفرقة ضد أعراق مثل اللاتينيين وأديان معينة أهمها الإسلام. وإذا ما استمر تقييد الهجرة إلى الولايات المتحدة لفترات زمنية طويلة فسيؤثر ذلك سلبا في تميزها العلمي والتقني والاقتصادي. وقد بدأت تظهر بعض التأثيرات المحبطة على الأنشطة العلمية كالمؤتمرات والندوات والأبحاث والاستشارات بشتى أنواعها وخصوصا الطبية.
الهجرة ليست قضية إنسانية فقط وإنما هي قضية اقتصادية أيضا. حيث تنقسم ثروات الأمم إلى قسمين: ثروات ملموسة كالعقارات والموارد الطبيعية، وثروات غير ملموسة في البشر وأهمها التعليم والخبرات والعقول والأفكار والأنظمة. وتمثل الموارد البشرية المتعلمة والمدربة والمبتكرة أهم عنصر من عناصر الإنتاج، ولهذا فإن الدول المنفتحة على الهجرة تستهدف أفضل الموارد البشرية المتاحة ومن دون تفرقة عنصرية أو وطنية أو عقدية. وترحب الدول المتقدمة بالمتعلمين وأصحاب العقول وأفضل الخبرات لأنها تمكنها من زيادة الابتكار والتطوير المحفز للنشاط الاقتصادي وتوليد الوظائف، والداعم لقدراتها على منافسة منتجات الدول الأخرى السلعية والخدمية. إضافة إلى ذلك تفتح الهجرات قنوات اتصال جديدة مع الدول والشعوب الأخرى وتزيد من تدفق السلع والخدمات عبر الحدود. لا يقتصر تيسير الهجرة على الخبرات المتميزة، بل تيسر عديد من الدول تدفق أصحاب المهارات المحدودة لسد فجوات نقص العمالة في قطاعاتها الاقتصادية وزيادة حجم أسواقها الداخلية. إن الترحيب بالخبرات والموارد البشرية الجيدة والمتفوقة يوفر كثيرا من الجهد والوقت والمال للدول المضيفة ويسرع من لحاقها بمواكب الأمم المتقدمة. صحيح أن بعض السكان قد يتضررون من الهجرة لقلة قدراتهم على المنافسة أو لنقص مهاراتهم، وهذا يتطلب التعامل مع معاناتهم بالوسائل والسياسات التي ترفع مهاراتهم وقدراتهم على المنافسة، لا من خلال صرف النظر عن أسباب معاناتهم الحقيقية وإلقاء اللوم على المهاجرين فقط.
إن من السهل القول لا للهجرة وسد أبواب الدول أمامها، كما أن من السهل إثارة الأحقاد على الغير - سواء كانوا مهاجرين أو أجانب أو أعراقا أو من أديان مختلفة - وإلقاء اللوم عليهم في المعضلات الاقتصادية أو الأمنية أو السياسية التي تواجهها الشعوب. ويتعرض الأجانب بالذات للوم في معظم دول العالم لأنهم دائما الحلقة الأضعف في أي مكان ولعدم وجود تكاليف سياسية محلية من التمييز ضدهم. ويحاول معتنقو النقاء العرقي والعقدي والمتعجرفون والمنغلقون والمتحجرون غلق أبواب الهجرة لاعتقاداتهم الخاطئة والغريبة والمريضة والخوف المبالغ فيه من الغرباء. صحيح أن الظروف الاقتصادية والأمنية قد تجبر بعض الدول على تغيير معدلات الهجرة، ولكن التمييز في غلقها يقلل فرص تدفق وعرض رؤوس المال البشرية المناسبة، أما غلقها فسيقود إلى جمود المجتمعات والاقتصادات.