صيت صيتة
فقد عبدالله ثلاب الجعيد بصره في الخامسة عشرة من عمره إثر مرض وراثي وهو ضمور في العصب الصبغي وأصبح يعيش في ظلام لم يعتد عليه. خسر عبدالله نعمة البصر في عمر يزدحم بالصور الجميلة مثل اللعب مع أترابه والسفر وخوض مغامرات جديدة. فقد بصره وهو في مرحلة انتقالية. الانتقال من الطفولة لحياة اليفوعة والإعجاب بالذات. أصبح حبيس المنزل لا يستطيع قراءة الكتب الدراسية أو حتى الذهاب للمسجد.
انهارت أحلامه أمامه. كان طوق النجاة الوحيد بعد إرادة الله هو برنامج ناطق يستطيع من خلاله قراءة الكتب لاجتياز مرحلته الدراسية وكان سعره حينها عشرة آلاف ريال وهو مبلغ لا يمكن لوالده توفيره، وقتئذ.
وفي تلك الفترة سمع عبدالله عن جمعية خيرية في جدة تتعامل مع مثل حالته وفورا توجه لها ووجد أن هناك فاعلة خير تدعم ذوي الاحتياجات الخاصة. قدم لها شرحا عن حالته وطلب الحصول على جهاز ناطق، لكن فاعلة الخير بعد أن قرأت حالته وجهت بتوفير ناطق صوتي ومكبر للقراءة وكذلك جهاز كمبيوتر.
وعندما تسلم عبدالله هذه الأجهزة دبت الحياة في روحه وأحلامه من جديد. واصل دراسته وتخصص في علم الاجتماع، واستخدم تلك البرامج في جميع مراحله الدراسية حتى مرحلة الماجستير.
ويكتب عبدالله حاليا أطروحة الدكتوراه في جامعة الملك عبدالعزيز بعنوان: "دور التقنيات التعويضية في التمكين الاجتماعي للمعاقين بصريا"؛ لوعيه بأهميتها وتأثيرها.
وبعد النجاحات الكبيرة التي حققها عبدالله في حياته عاد إلى الجمعية التي ربطته بفاعلة الخير ونقلت حياته بتوفيق الله من حياة الظلام إلى النور لمعرفة اسمها، لكن الجمعية رفضت إفشاء اسمها احتراما لرغبتها، لكن بعد إصراره ليدعو لها ويدعوها لحضور مناقشته للماجستير تم إبلاغه بأنها الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز آل سعود، التي انتقلت إلى جوار ربها عام ٢٠١١م لكن مازال صيتها وعبق عطائها على قيد الحياة. فالمشرق عبدالله الجعيد غيض من فيض عطائها. وقد حرص شقيقها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله، أن يوجه بتأسيس مؤسسة جائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز للتميز في العمل الاجتماعي، تأصيلا لمنهجها في دعم المبادرات الاجتماعية المبتكرة، التي لا تقدم التبرعات فحسب بل تؤسس لبرامج منهجية مستدامة.
والمفارقة أن الجعيد نال جائزة الأميرة صيتة في دورتها الثالثة إثر مبادراته النوعية تجاه المكفوفين.
سيظل صيت صيتة على قيد الحياة مدى الحياة. كتب الله لها أجر ما قامت به سرا. وسيظل صديقي صيتك عاطرا دنيا وآخرة لو دعمت وشجعت الآخرين ولو بالقليل.