رسالة الخطأ

لم يتم إنشاء الملف.


المفاهيم والقيم .. ومواجهة تحديات البطالة

نواجه كغيرنا من الشعوب تحديات في مناحي الحياة ومستوياتها كافة، وفي الأغلب فإن تحديات الحياة مستمرة ومن ذلك على سبيل المثال قضايا البطالة، والإسكان، والصحة، والتعليم، والبنى التحتية، وحوادث المرور، واستهلاك المخدرات والسلع المضرة بالصحة، والتركيبة السكانية، حيث ارتفاع نسبة الوافدين وسيطرتهم على أسواق المهن وحجم تحويلاتهم المالية، وارتفاع نسبة الأمراض العصرية كالسمنة والسكري والضغط وأمراض القلب والأوردة الدموية، ومشاكل تأخر سن الزواج لدى الجنسين وارتفاع معدلات الطلاق إلى غير ذلك من القضايا المستمرة.
وحيث إننا نعيش فترة ركود اقتصادي بعد فترة انتعاش، وهي فترة تشهد في العادة تقليصا لأنشطة شركات ومؤسسات القطاع الخاص، بل خروج بعضها من السوق بسبب نقص الإيرادات وارتفاع التكاليف، فإن التحدي الذي يتصدر المشهد هو "البطالة" حيث ترتفع نسبها وتزداد معدلات فصل الموظفين الأقل كفاءة مقارنة بزملائهم من أي جنسية كانوا، فالقطاع الخاص يعتمد على الأرباح ولا يمكن أن يتحول لجمعية خيرية في أي ظرف اقتصادي كان مهما طالبنا رجال الأعمال بتحمل مسؤولياتهم ورجوناهم عدم فصل أبنائنا لكونهم حققوا أرباحا في السابق، ذلك أن الربحية أساس تقييم أداء الشركات وارتفاع قيمتها السوقية أو انخفاضها، وأساس قوتها الائتمانية لدى المقرضين.
تحاورت مع أحد الشباب من خريجي إحدى جامعاتنا في تخصص المحاسبة ولم يجد عملا رغم أنه قدم على كثير من الجهات الحكومية والخاصة وأجرى كثيرا من المقابلات وقلت له ما السبب من وجهة نظرك؟ فقال لي إنهم الوافدون الذين أخذوا الوظائف، فقلت له كيف تجد مستواك في المحاسبة؟ وكيف تجد مستواك في اللغة الإنجليزية؟ وكيف تجد نفسك في مهارات التواصل؟ وكيف ترى موقف الأجهزة الحكومية ومنشآت القطاع الخاص من توظيفك مقابل الوافد؟ استغرب من أسئلتي لأنه توقع مني الاندفاع معه في تحميل الوافدين مشكلته، وقال لي إنه تخرج بفهم سطحي للمحاسبة، ولا يجيد اللغة الإنجليزية، ولم يسمع عن مهارات التواصل، وإن الأجهزة الحكومية توظف السعوديين ومن الصعب أن توظف الوافدين، وإن القطاع الخاص ملزم بتوظيف السعوديين لتحسين موقفه في "نطاقات" وإن توظيف الوافدين يضعف موقف الشركات في "نطاقات"، وإن الرواتب التي يتسلمها الوافدون مجزية بالنسبة للسعوديين، فقلت له إذن أنت تعاني اختلالا في المفاهيم والقيم، حيث اعتقدت أن مشكلتك بسبب الوافد ولم تعالجها في حين أن مشكلتك الحقيقية في مستوى معارفك ومهاراتك وقدراتك التي يجب أن تحسن منها للفوز بالفرص الوظيفية، ولا أدل على ذلك من توظيف السعوديين الأكفاء في القطاع الخاص بمرتبات عالية.
وأقول لو فهم هذا الشاب العاطل قبل أن يدخل التعليم الجامعي أن الكفاءة والإنجاز هما مطلب القطاع الخاص، وأن الكفاءة والإنجاز يتطلبان فهما عميقا وواسعا في مجال التخصص، والمهارات المساندة كاللغة الإنجليزية والحاسب الآلي والبرامج المحاسبية، وفهما لقيم العمل ومفاهيمها ومهاراتها كالصبر، والإتقان، والإصرار، والاحترام إضافة إلى مهارات التواصل مع المسؤولين والمرؤوسين والزملاء والعملاء، أقول لو فهم ذلك لأدرك أن الدراسة ليست لاجتياز الامتحانات بأي طريقة كانت بل لاجتياز المقابلات الوظيفية والفوز بالفرص التي يطرحها السوق، وللترقي في الدرجات الوظيفية ولعيش الحياة بجودة عالية ذلك أن الطالب الجامعي يجب أن يكون منهجيا في التحليل والتشخيص وإيجاد الحلول بما له من قدرة ومهارات في البحث والاستقصاء والتفكير.
يقول لي أحد أولياء الأمور إنه ذهب بابنته وهي خريجة جامعة أهلية لمقابلة وظيفية في شركة أجنبية مرموقة، ودخلت قبل ابنته متقدمة أخرى للوظيفة لإجراء المقابلة وما لبثت أن خرجت خلال أقل من خمس دقائق، وجاء دور ابنتي للدخول فقلت لها الظاهر أن المقابلات صورية وليست جادة، وبعد أن خرجت ابنتي بعد أكثر من نصف ساعة قالت قبلوني في الوظيفة، فقلت لها وما سر التي خرجت قبلك سريعا؟ قالت إنهم سألوها في مبادئ التخصص فلم تجب، وإنهم سألوها عن إتقانها اللغة الإنجليزية فقالت لا أجيدها فانتهت المقابلة بينما أنا أجيد كل ذلك فأكملوا معي المقابلة وقبلوني وهم يودون توظيف السعوديين والسعوديات لأسباب عديدة منها متطلبات السعودة، ويقول تأهيل الجامعة الأهلية لابنتي التأهيل الملائم لمتطلبات السوق جعلها تحصل على الوظيفة حال تخرجها.
وأمثلة قبول السعوديين الأكفاء في القطاع الخاص وبذل الجهود للمحافظة عليهم كثيرة ومتعددة حتى أن أغلبهم لديه أكثر من عرض في بداية حياته العملية، وتنهال عليه العروض وهو يترقى في وظيفته التي يعمل فيها، ذلك أن القطاع الخاص يهتم بتكلفة الموظف وقيمته لا براتبه، والتكلفة هي الراتب مقسوم على الإنجازات لا الأعذار والجهود المبذولة، وقيمته تعني ما يقدم للشركة من أفكار ومقترحات وخدمات تنهض بها وتحقق لها التميز والقدرة على المنافسة واغتنام الفرص ومواجهة العوائق الاستثمارية.
وقصة أحد الأصدقاء توضح ذلك حيث يقول رشحت موظفا سعوديا لإحدى الشركات للعمل لديها وعندما سألوني عن الراتب المحتمل قلت لهم يتجاوز الـ 50 ألفا رغم أنه لا يحمل شهادة جامعية إلا أنه له من الخبرات والكفاءة والمهارات والعلاقات ما يفوق ذلك، وبعد مدة من عمله في الشركة على هذا المرتب كلمني مدير الشركة قائلا لقد قدمت لنا موظفا يستحق أعلى من راتبه بكثير فهو مبادر ومتحمس ومنجز ولا يعرف الأعذار ودائما ما يقدم أفكارا ومقترحات تحقق للشركة الأرباح وتجنبها الخسائر.
ولمواجهة تحديات البطالة أتطلع إلى أن تعمل وزارة التعليم على تأهيل الطلبة في جميع مراحل التعليم العام وفي مرحلة التعليم الجامعي بمفاهيم وقيم العمل ومتطلبات الحصول على الوظائف والترقي في سلالمها ليتحولوا من التعلم لتجاوز الاختبارات إلى التعلم لتجاوز المقابلات الوظيفية وصعوبات الترقي في الوظائف ليكونوا على بينة ويعلموا أن الشهادة ما لم تعكس الكفاءة فإنها لا تغني ولا تسمن من جوع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي