مراجعة كتاب: الثورة الصناعية الرابعة
في كتاب قصير يأخذنا كلاوس شواب في رحلة ماتعة في الثورات التقنية والاقتصادية بداية بالثورة الأولى التي نقلت الإنسان من القوة العضلية إلى الميكانيكية من عام 1760 إلى 1840، والثانية جاءت بقوى الإنتاج الكبيرMass Production منذ نهاية القرنين الـ 19 والـ 20، والثالثة جاءت بالحاسوب المركزي ثم الحاسوب الشخصي والشبكة العنكبوتية في التسعينيات من القرن الماضي. الثورة الرابعة طبقا لشواب تبنى على الثالثة ولكنها أوسع وأعمق تأثيرا وأكثر أهمية. فالأجهزة تصبح متشابكة وذكية في ترابط حسي وبيولوجي ورقمي يستطيع تغيير حياة الناس والشركات والحكومات.
الكاتب كلاوس شواب مؤسس منتدى دافوس الاقتصادي حيث يجتمع القادة السياسيون مع قيادات الأعمال والفكر والمجتمع المدني والديني سنويا في منتجع دافوس السويسري. يحاول كلاوس توظيف هذه العلاقات في شرح ما يرى حول الثورة الصناعية وتأثيراتها في الجميع أفقيا ورأسيا. يبدأ الكتاب بمحاولة قراءة التوجهات العامة وليس بالضرورة التركيز على تقنيات معينة مثل الذكاء الصناعي أو تقنيه النانو أو الطباعة الثلاثية الأبعاد أو غيرها من التقنيات الواعدة. أحد المؤشرات على التغيير النوعي يتمثل في الشركات التي دمرت نماذج قديمة في إدارة الأعمال مثل أوبر أو شركات تأجير المنازل إيربنب والسيارات التي تقود نفسها. أكبر ثلاث شركات في وادي السيليكون تعادل مبيعاتها في 2014 أكبر ثلاث شركات في صناعة السيارات في 1990، ولكنها تعادل ثلاثة أضعاف قيمتها السوقية وبعشر عدد العاملين.
لا يتفق الكاتب مع طرح روبرت جوردون Robert Gordon، أستاذ الاقتصاد حول انخفاض الإنتاجية في أمريكا منذ السبعينيات عدا فترة قصيرة في التسعينيات مع بداية الشبكة العنكبوتية. بينما يذكر الكاتب أننا في البداية لتوظيف الشبكة ولذلك لم تصل إلى مداها في الاقتصاد والإنتاجية وتغيير الحياة في كل المجالات. يذكرنا أنه لابد للحكومات والشركات من الاستعداد لتوظيف طرق جديدة تنظيميا. هناك تساؤل حول البطالة مستقبليا حيث يعتقد الكاتب أن التاريخ يثبت أن التأثير لن يكون مختلفا عن تاريخ التقنيات الجديدة إذا استطاعت الحكومات والشركات إعادة تأهيل القوانين والأنظمة لتعظيم المصلحة من التغيرات الجديدة. الاقتصاد المبني على "الطلب" مثل أوبر يتطلب تشريعات مختلفة. يخشى الكاتب أن فهم النخب وقدرتها على التعامل مع هذه التقنيات لا يكفي للتعامل معها بكفاءة بالتشريعات والتنظيمات اللازمة.
التحدي لنا مختلف نوعيا على أكثر من صعيد، فنحن استهلاكيا وخاصة على مستوى النخب مع توظيف المنتجات بسهولة ولكننا مجتمعيا في حال مختلف. الأهم أن التجربة التاريخية تعلمنا أن تجاوز المراحل التقنية ممكن إذا كانت لدينا المرونة الذهنية والتنظيمية. نقاط البداية متعددة الأمر الذي سيضاعف الضغط والفرص، أولها البنية التحتية وخاصة في شبكة الاتصالات والمراكز المعلوماتية، والثاني الكفاءة التعليمية فلا يمكن للجامعات أن تعامل التخصصات العلمية مثل التخصصات الإنسانية في ميزانياتها واهتمامها، والثالث محاولة إدارة التحولات الاقتصادية من حيث القيمة المضافة، والرابع تفادي الحديث غير المفيد والسطحي حول الاقتصاد المعرفي.