أنقذوا طلابنا من الإحباط
بين فترة وأخرى أتلقى دعوات من بعض المدارس الثانوية لتقديم محاضرات في الإرشاد المهني لطلاب الثانوية العامة الذين ما زالوا يواجهون الحيرة نفسها التي كنا نواجهها ونحن طلاب على مقاعد الدراسة، ورغم تطور كثير من النظم التعليمية، إلا أن الاهتمام بالإرشاد المهني- في رأيي- لم ينل الاهتمام الكافي، ولو تم تطويره وإعداد متخصصين في هذا المجال لأمكن تقليص كثير من الظواهر السلبية مثل التسرب والفشل الدراسي المتكرر وغيرها.
وهذا ليس موضوع المقال الأصلي؛ فهناك أمر آخر ما زال يحيرني من خلال تواصلي مع طلاب المرحلة الثانوية في أكثر من مدرسة وأكثر من منطقة؛ فقد لاحظت حالة من التشاؤم والإحباط تسيطر على هؤلاء الطلاب، وتكاد تكون ظاهرة عامة والحقيقة أنني لا أعرف تفسيرا محددا لهذه الظاهرة، لكن المؤكد الذي لمسته بنفسي وسمعته بأذني هو غياب الدافعية للتحصيل والتفوق الدراسي، وهو ما لم نعهده سابقا، فقد كنا نتنافس بشراسة لتحقيق التفوق، ونظل نتحرى أخبار الكليات والجامعات لنلتحق بها، وكثير منا ترك مدينته وأهله ليذهب إلى منطقة بعيدة من أجل دراسة التخصص الذي يهواه ويبحث عنه.
وهذه الروح المفعمة بالتفاؤل والحماس لم أجدها إلا عند قلة قليلة من الطلاب.
وقد أكد لي هذا مجموعة من التربويين وقادة المدارس في المرحلة الثانوية الذين رصدوا تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، وقد كنت في نقاش معهم؛ فمنهم من يعزوها إلى الشعور السائد بالبطالة وقلة فرص العمل؛ فكثير من الطلاب يرى أنه سيتفوق ويتخرج، ولكنه سيظل مثل أخيه أو قريبه الذي يكابد من أجل الحصول على فرصة عمل محترمة تليق بتعبه وكفاحه، وقد سمعت هذا من الطلاب أنفسهم، وهناك من يعزو هذا الإحباط إلى سيطرة وسائل "التواصل الاجتماعي" على عقول هؤلاء الطلاب التي مازالت تفتقد القدرة على التحليل النقدي وتمييز المعلومات الصحيحة من المعلومات المغرضة التي تستهدف أمن الوطن وشبابه.
وهناك من عزا ذلك إلى التعليم التقليدي الذي ما زال يقدم بالروح الباهتة والتلقين السلبي نفسه، وبالتالي تحولت المدارس إلى بيئات منفرة وطاردة تفتقد روح الإبداع والتحفيز الذي يستثمر الطاقات ويوجهها لمزيد من الإيجابية المنشودة.
وبعضهم يراه في التأثير السلبي "اختبار القدرات" السنوي الذي لم يبق للشهادة الثانوية قيمة فعلية فأهميتها 20 في المائة والبقية لاختبار مجهول عشوائي.
وفي كل الأحوال تظل هذه الآراء صحيحة لكنها تبقى أحكاما انطباعية، وربما يكون الحكم الصحيح من خلال الدراسات الميدانية وهو أمر من صميم مسؤوليات وزارة التعليم ثم الجامعات بباحثيها الذين يملأون الفضاء بدراسات نظرية وتاريخية لا علاقة لها بالواقع ولا باحتياجاتنا الاجتماعية الملحة.
إن هؤلاء الطلبة المقبلين على الحياة هم ثروة بشرية عظيمة، ونحن مسؤولون كمفكرين وكتاب ومؤسسات حكومية وأهلية عن الاهتمام بهم وتوجيههم لخدمة وطنهم ومجتمعهم، ومن الظلم أن نتركهم فريسة لأوهام المغرضين وإحباط المحبطين لنجدهم في النهاية، وقد تحولوا لأرقام في قوائم المدمنين أو المطلوبين أمنيا.. فمن يسمعنا؟!