جبل صمعر في نجران .. بوابة الصحراء وصندوق بريد القوافل
رغم ما تحتويه منطقة نجران من مواقع أثرية مهمة جذبت لها الأنظار، وجعلتها مأوى أفئدة السياح، ووجهتهم الرئيسة داخل المملكة، إلاّ أن جبل صمعر يبقى المعلم الأبرز بين تلك المواقع، والأثر الخالد، الذي شهد مرور القوافل منذ آلاف السنين، واتخاذه من قبلها محطة للتوقف والتزود بالماء، وتدوين النقوش والكتابات عليه، حتى صار كبريد للقوافل، وبوابة للصحراء، وعلامة يهتدى بها في البادية.
ويقع جبل صمعر على الطريق المؤدي من منطقة نجران إلى منطقة الرياض على بعد 90 كيلومترا إلى الشمال من مدينة نجران، ويبعد عدة كيلومترات غرب الطريق الرئيس، حيث يبدو متربعاً على سهل رملي منبسط كانت القوافل تتخذه موقعا للتوقف لقربه من آبار الماء ولموقعه المتميز.
وقال لـ"الاقتصادية" محمد حريش آل مستنير المرشد السياحي، إن جبل صمعر يعد أحد أهم الجبال المهمة في منطقة جنوب الجزيرة العربية، نظرا لموقعه الفريد في صحراء الربع الخالي، حيث كان حتى فترات قريبة أبرز المعالم على الطريق المؤدية إلى نجران ويهتدي به المسافرون في الصحراء.
وأوضح آل مستنير، أن جبل صمعر ظل لسنوات عديدة معلما على طريق القوافل التجارية القديمة المتجهة من شمال الجزيرة إلى جنوبها أو العكس، مشيرا إلى احتوائه على نقوش وكتابات عديدة تؤرخ للأشخاص والقوافل التي مرت بالطريق إبان ازدهار الممالك والحضارات الجنوبية.
وأشار إلى أن الكتابات نقشت إما بالخط المسند القديم أو الخط الثمودي، إلى جانب احتواء الجبل على رسومات قديمة جدا لحيوانات انقرضت من جزيرة العرب، ورسوم لمعارك حربية حدثت في فترات ما قبل الكتابة أو ما يسمى بحقبة ما قبل التاريخ.
ولفت إلى قيام هيئة السياحة بجلب عديد من علماء الآثار العرب والأجانب لزيارة هذا الموقع ومواقع أخرى، حيث قاموا بمحاولة رصد وتسجيل وتصوير ودراسة النقوش والكتابات الموجودة على هذا الجبل وتحليلها من حيث فترة حفر النقش أو محاولة ترجمة معانيها.
وبين محمد حريش آل مستنير الباحث والمرشد السياحي، أن العلماء توصلوا إلى أن معظم النقوش تتحدث عن معلومات لقوافل مرت بالطريق إضافة إلى أصحابها، إلى جانب أسماء بعض جمالهم التي كانت تعيش في المنطقة، ما دعا علماء الآثار لتسمية الجبل بصندوق البريد لأنه كان بمثابة سجل للقوافل التي تمر بتلك الصحراء، وقد أطلق عليه في وقتنا الحاضر (mail box)، كون القوافل آنذاك عملت على توثيق تحركاتها على صخور احتفظت بهذا السجل إلى اليوم.
وحظيت آثار نجران باهتمام من الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وأمير المنطقة الأمير جلوي بن عبدالعزيز بن مساعد لما لها من أهمية وقيمة أثرية وتاريخية لهذا الوطن الغالي التي تضيف إلى زوراها بعدًا ثقافيا ومعرفي.