حان الوقت لانتعاش أسواق الغاز
الموجة الجديدة من مشاريع إنتاج الغاز (النقل وتوليد الطاقة)، تؤكد الدور المهم للغاز الطبيعي في التحول إلى مصادر الطاقة الأكثر نظافة، حيث إن الغاز مصدر وفير للوقود، وموثوق، ومتوافر بأسعار معقولة وذات انبعاثات كربونية أقل من مصادر الوقود الأحفوري الأخرى، وفي الوقت نفسه يعزز النمو السريع لمصادر الطاقة المتجددة.
في نواح كثيرة، كان الغاز ضحية نجاح المنتجين في التغلب على عقبات تقنية ولوجستية بما في ذلك نجاحهم في إنتاج الغاز الصخري. وظهرت خطوط أنابيب ومنشآت غاز طبيعي مسال جديدة كافية لتلبية الحاجة. لذلك العرض لم يعد مشكلة.
النمو السريع لإمدادات الغاز الطبيعي المسال لم ينته بعد، هناك نحو 30 مليون طن من الطاقات الجديدة وصلت الأسواق في عام 2016، و40 مليون طن أخرى ستكون في الأسواق في هذا العام، وهو ما يعني أن طاقات الغاز الطبيعي المسال قد نمت بأكثر من الربع في غضون سنتين فقط. روسيا، من بين منتجين آخرين، تضيف شبكات أنابيب جديدة تخدم آسيا وأوروبا. كما أن احتياطيات الغاز البحرية البعيدة عن السواحل لم تعد بعيدة المنال، ويمكن استغلالها من دون خطوط أنابيب وبنية تحتية مكلفة، وتبعات بيئية أصغر مقارنة بمحطات الغاز الطبيعي المسال العادية. الابتكار والتطوير ليسا غريبين على الصناعة النفطية، ولكن وحدات الغاز المسال العائمة تعد إحدى الطفرات في هذا الجانب.
لكن، هذا التطور في مجال الغاز لم يكن حصريا على جانب المنتجين فقط بل تعداه إلى المستهلكين أيضا، حيث تم تركيب عدد كبير من الوحدات العائمة لاستقبال وتخزين الغاز المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية، في مناطق مختلفة من العالم، من أمريكا اللاتينية إلى الهند والصين. هذه الوحدات العائمة لاستقبال، وتخزين الغاز المسال وإعادة تحويله سيكون لهما تأثير في الأسواق الصغيرة مشابه للتأثير الذي أحدثته وحدات الغاز المسال العائمة للمنتجين، أي أنها ستجعل الغاز في متناول اليد، بثمن بخس ومرونة عالية.
على المنتجين الآن التحرك ومضاعفة جهودهم لتعزيز الغاز في أسواق جديدة. أخيرا لم يواكب الاستهلاك وتيرة ارتفاع العرض، حيث نما سنويا بمعدل 1 في المائة فقط من عام 2012 إلى 2015. لكن في السنوات المقبلة، سيتحسن هذا، ويرتفع سنويا بمعدل 1.5 في المائة حتى عام 2021، حسب وكالة الطاقة الدولية. وهذا سيضيف كميات كبيرة إلى الاستهلاك على مدى السنوات الخمس المقبلة تصل إلى نحو 340 مليار متر مكعب. مع ذلك، فهذا المعدل لا يزال تحت نمو 2 في المائة الذي شهده العقد الماضي، لذلك على المنتجين بذل مزيد من الجهد لإنعاش الاستهلاك من جديد.
وهذا يعني أن على المنتجين لعب دورهم في المناقشات الجارية حاليا في شتى المجالات، وينبغي أن تكون قضية تغير المناخ فرصة للغاز باعتباره أحد أسهل مصادر توليد الطاقة على نطاق واسع وبسرعة، وفي الوقت نفسه انبعاثاته تعادل نصف انبعاثات الفحم. تطوير مصادر الغاز الصخري في الولايات المتحدة وطاقات التسييل الجديدة في أستراليا، وفرا إمدادات كبيرة، كما أن أسعار الغاز الطبيعي لم تكن مواتية للمستهلكين كما هي الآن. على الرغم من كل هذه الفوائد، إلا أن رسالة الغاز ضعيفة في كثير من الأحيان، عكس تأثير لوبي الفحم، خصوصا في الولايات المتحدة.
الأسعار تعتبر فرصة أخرى للغاز، لا أحد في الصناعة يرغب أن يبيع بهامش ضئيل. لكن يمكن لقطاع الغاز أن يستخدم أيضا فترة ضعف الأسواق لمصلحته. فهذا يجعله أكثر قدرة على المنافسة – خصوصا إذا ما أخذت في الاعتبار تكلفة الكربون في أسعار الفحم. ولكن هذا يتطلب بعض الاستعداد من جانب المنتجين ليكونوا مرنين، وقبل كل شيء يستجيبون لسلوك المستهلك. بعض كبار موردي الغاز في العالم يغتنمون هذه الفرصة. على سبيل المثال، قامت قطر بمراجعة الشروط مع بعض المستوردين، واعتماد هياكل تسعيرية أكثر تنوعا لزيادة حصتها السوقية في مراكز تزايد الطلب، مثل الهند.
حتى في الأسواق التقليدية المشبعة مثل اليابان وكوريا الجنوبية، حيث تباطأ الطلب في الآونة الأخيرة، ينبغي على مصدري الغاز الطبيعي أن يكونوا صبورين. حيث إن المشترين باقون، ذلك أن الفحم ليس خيارا على المدى الطويل بالنسبة إليهم. على الرغم من أن وفرة الإمدادات اليوم فرصة للمستوردين للمساومة على الصفقات، إلا أن كبار المشترين يريدون أمن الإمدادات على المدى الطويل.
في هذا العام، سيتم تأكيد الاتجاهات الأساسية التي ستجلب المرحلة التالية من نمو الطلب. على سبيل المثال، الهند تدفع بالفعل باستراتيجية تحول اقتصادها إلى الغاز، في الوقت نفسه في الصين تم حل القصور في كفاءة الأسواق المحلية التي أثرت في الطلب على الغاز في العام الماضي. هاتان الدولتان – الصين والهند – بجانب مستهلكين آسيويين أصغر، مثل بنجلادش وباكستان، سيكونون الهدف الرئيس لمصدري الغاز الذين على استعداد أن يكونوا أكثر مرونة. وبالمثل، توفر الأسواق الأوروبية التقليدية فرصة أخرى لنمو الطلب، خصوصا أن الترابط الجديد داخل القارة أسهم في حل بعض اختناقات الغاز الداخلية.
في الوقت نفسه، على صناعة الغاز ألا تكون في حالة دفاعية تجاه الطاقة المتجددة. بعد اتفاق باريس، لدى القطاع فرصة كبيرة لإعادة تأكيد موقفه؛ خصوصا فيما إذا كانت الحاجة إلى خفض الانبعاثات ينبغي أن تكون متوازنة مع ضرورة تزويد العالم بالطاقة اللازمة، والغاز هو أفضل وقود لتوليد الطاقة جنبا إلى جنب مع الطاقة المتجددة المتقطعة. ليس فقط يستطيع أن يوفر وقودا للأحمال الأساسية، ولكن يستطيع أيضا أن يفعل ذلك بسرعة كبيرة جدا.
بالفعل نلاحظ الآن قرب نهاية تخمة الإمدادات، ووفرة الإمدادات الرخيصة والكفاح ضد تغير المناخ يجب أن يمهدا الطريق نحو نمو الطلب على الغاز في المستقبل – في الشحن البحري، وأساطيل المركبات طويلة المدى، ومجال توليد الطاقة، وتوفير الطاقة للدول النامية التي تعاني نقصا كبيرا في خدمات الطاقة. لكن على قطاع الغاز عدم الانتظار، بل يجب أن يبدأ منذ الآن بخطوات جادة لتحقيق ذلك.
أما بالنسبة لمشتري الغاز، فإنهم بحاجة إلى القيام بدورهم أيضا، إن من مصلحتهم أن تزدهر أسواق الطاقة النظيفة والوفيرة الآن وعلى مدى العقود المقبلة، حيث إن المزايا المالية والبيئية في التحول نحو الغاز واضحة.