تكافؤ النسب ليس أهم من تكافؤ العمر
هل يصح أن نعامل بناتنا وفلذات أكبادنا كما نعامل السلع المتداولة بيننا؟ ونتصرف في مصيرهن بالمساومة والبيع والشراء؟ وهل يليق بأفراد المجتمع، خصوصا أصحاب الرأي والفكر ألا يحركوا ساكنا، وهم يشاهدون ظلما فاحشا يقع على فئة ضعيفة من بناتنا لا حول لهن ولا قوة؟ أين الضمائر الحية والغيرة الإنسانية؟
الحديث في هذا المقال حول قضية، وإن كانت نادرة الوقوع، إلا أن مجتمعنا لا يخلو منها، وليست مما يغض الطرف عنه، لا لشيء، إلا لأن عواقبها مؤلمة وضحاياها ربما يتعرضن لبؤس شديد وهن ما زلن في مقتبل العمر وعز الشباب. هو أمر شبيه بزواج القاصرات الذي لفت أنظار المجتمع خلال السنوات القليلة الماضية، وتداولته وسائل الإعلام على أنه فعل غير مقبول. إنه تزويج البنات اللاتي لا تتعدى أعمارهن منتصف العقد الثاني من رجال تجاوزت أعمارهم 70 عاما. هذه الممارسات المتفشية بيننا تكاد تكون قريبة من وأد البنات، حمانا الله وإياكم من كل مكروه. ومن دون الدخول في التفاصيل، فالرجل الذي بلغ عمره بين 70 و80 عاما، لم يبق من عمره العملي إلا القليل، والأعمار بيد الله. فإذا تزوج من امرأة، وكان قد بلغ الـ60 من عمره، وهي لم تولد بعد، فيه كثير من الظلم والإجحاف بحقها. فهي إنسانة كبقية البشر، لها عواطف تحرك مشاعرها ولها طموح في أن تكون حياتها المديدة كلها سعادة وليست فقط العناية بشايب يكبرها بأكثر من 60 عاما. يا الله حسن الخاتمة.
وفي حالات متعددة، وقضيتنا إحداها، يكون زفاف المسكينة الصغيرة إلى بيت قد سبقتها إليه زوجة أو زوجتان وهي الثالثة أو ربما الرابعة. وجواب الأب عندما يُسأل عن سبب التفريط في مستقبل "ابنته" أنه وحده الذي يعرف مصلحتها. ولا نعلم عن أي مصلحة يتحدث الرجل. هل المصلحة أن ترميها في حضن إنسان طاعن في السن لا تهمه إلا شهوته؟ ومن المستغرب أنك لا تجد من أقاربها ولا من المشايخ ولا خطباء المساجد من ينتصر لها ولمستقبل وضعها، وكأننا أمة خالية من العواطف. فهل يرضى أي منا أن يتخلص من فلذة كبده وقرة عينيه وهو يعلم علم اليقين أن شهر العسل مع زوجها الكهل سينتهي بعد بضع سنوات ويؤول إلى شهر حزن وألم نفسي، وهي التي يقال عنها إنها بأبيها معجبة؟
إن زواج صغيرة السن من كهل يفوق عمره عمرها خمس مرات أو أكثر يتطلب منا المناشدة بتجنيب مجتمعنا هذا الحيف الذي يقع على بعض الصغيرات، إذ يجب أن يكون للمسؤولين في دوائر القضاء دور بارز في إصلاح حال الأمة. والمأذون الذي يوكل إليه عقد القران هو الأقرب لمثل هذه الظروف، وهو المندوب المكلف من قبل الدولة. فلا يصح أن يمضي أمرا يعرف جيدا أنه ضد طبيعة البشر. وهو أيضا يتحمل مسؤولية معاناة الفتيات اللاتي يتعرضن لمثل هذا العنت الأبوي الذي لا يعرف الرحمة. هذه النوعية من الآباء آخر علمهم ببناتهم ليلة تسليمها إلى زوج متصالح معه أو صديق له ولكنه غير صالح لها. فهو يقدمها لصديقه كهدية. نحن نسمع كثيرا عن فسخ الزواج رغم أنف الزوج والزوجة بسبب ما يسمونه ظلما وبهتانا عدم تكافؤ النسب، حتى ولو كانت لهما ذرية. ولكنهم لا يأنفون من السكوت عن تزويج بنت صغيرة لا تزال في مقتبل العمر لزوج قد قارب 80 عاما من عمره. والرجل الذي يدعي أنه فعلا يعرف مصلحة ابنته، عليه على الأقل مشاورتها وتوضيح الأمر لها وأخذ قبولها بحرية تامة عن طريق طرف ثالث، والأم هي الأقرب لذلك. ثم يأتي دور المأذون الذي عليه هو الآخر مسؤولية تقييم الحالة. فإذا وجد أن الفارق في العمر بين الزوج والزوجة يفوق المألوف، فليتق الله ويعتذر عن تحمل عبء مصير الفتاة. هناك كثير من الدول التي تسن قوانين خاصة هدفها حماية المرأة الصغيرة من جور الأب أو الزوج أو أحد الأقارب، الذين لا يراعون مصالح ولا مستقبل البنات. ومن المفهوم أن الإنسان الذي لا يحسب حساب المستقبل البعيد لابنته يجب ألا يترك له أمر التصرف في مصيرها، حتى لو حكمنا بأنه وليها، فالولي غير المصلح لا يصح أن يكون وليا.