رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


معايير الاعتماد الأكاديمي .. سويسرا نموذجا

سويسرا هي بلا شك إحدى الدول المُتميزة، ليس فقط على مستوى أوروبا، حيث تقع في وسطها تقريبا، بل على مستوى العالم بأسره أيضا، على الرغم من صغر مساحتها وقلة عدد سكانها، خصوصا بين الدول الكبيرة المحيطة بها: ألمانيا وفرنسا وإيطاليا. تبلغ مساحة سويسرا نحو "40 ألف كيلومتر مربع"؛ ويبلغ عدد سكانها نحو "ثمانية ملايين نسمة". وقد حازت المركز الأول بين دول العالم في تصنيف "دليل الابتكار العالمي GII" الذي يُعطي حصيلة أكثر من "80 مؤشرا" يتمتع كل منها بتأثير محدد في مجال الابتكار، وذلك على مدى سنتين متتاليتين 2015 و2016.
اختار "المعهد الدولي للتخطيط للتعليم IIEP"، التابع "لمنظمة التربية والثقافة والعلوم: اليونسكو UNESCO"، معايير الاعتماد الأكاديمي في سويسرا للعرض كمثال على هذه المعايير في كتيبه الخاص "بتقييم جودة التعليم العالي". وهو الكتيب الثاني من سلسلة من خمسة كتيبات صادرة عن المعهد حول "توثيق لجودة التعليم EQA". وقد ألقينا بعض الضوء على هذه الكُتيبات في مقال سابق؛ وسنركز في هذا المقال على استعراض المعايير السويسرية، انطلاقا من أهمية سويسرا في القضايا المعرفية، وما يمكن أن نستفيد منه من معاييرها في رؤية المشهد العام للاعتماد الأكاديمي.
تشمل المعايير السويسرية للاعتماد الأكاديمي لمؤسسات التعليم العالي "ثمانية مجالات"، تضم "25 معيارا". المجال الأول هو مجال "استراتيجية المُؤسسة وشؤون تنظيمها وإدارة الجودة فيها" وله "ستة معايير". أول هذه المعايير "معيار يهتم باستراتيجية المؤسسة ورسالتها وأهدافها التعليمية والبحثية؛ كما يركز أيضا على وضع المؤسسة في كل من الإطار الأكاديمي والإطار المجتمعي". أما المعيار الثاني فيتوجه نحو "إجراءات اتخاذ القرار في المُؤسسة وتوزيع المسؤوليات، ومدى مشاركة الأكاديميين في القرارات المُتعلقة بالتعليم والبحث العلمي، إضافة إلى مدى مشاركة الطلاب وإبداء آرائهم في التعليم الذي يتلقونه".
ونأتي إلى المعيار الثالث، في المجال المطروح، ويهتم "بمدى توافر المصادر المالية والبشرية والمُتطلبات الأخرى اللازمة لتحقيق أهداف استراتيجية المُؤسسة". ويتطرق المعيار الرابع بعد ذلك إلى "شفافية الإجراءات المالية"؛ ويُركز المعيار الخامس على الحاجة إلى وجود "نظام جودة" لدى المُؤسسة. أما المعيار السادس والأخير في المجال المطروح فيهتم "بوجود لجنة مرجعية للمساواة بين الذكور والإناث".
ونأتي إلى المجال الثاني من مجالات المعايير الثمانية؛ وعنوان هذا المجال هو "برامج المؤسسة" وله "أربعة معايير". يحرص المعيار الأول في هذا المجال على "وجود أهداف لكل من برامج الدرجات الأكاديمية والمهنية التي تمنحها المُؤسسة؛ وعلى تكامل برامج التعليم العالي الأخرى التي تقدمها المُؤسسة مع هذه البرامج، ضمن إطار معرفي مُفيد". ويركز المعيار الثاني على "قيام المُؤسسة بتبادل الأساتذة والطلبة مع مؤسسات أكاديمية أخرى، سواء محلية أو دولية". ويهتم المعيار الثالث "بوجود قواعد محددة لمنح الدرجات والوثائق، ووجود مراقبة على تنفيذ هذه القواعد". ويركز المعيار الرابع والأخير في مجال "البرامج" على "قيام المُؤسسة بجمع معلومات دورية حول المُتخرجين منها".
ونصل إلى المجال الثالث الذي يختص "بالبحث العلمي" وله معياران اثنان. يقضي المعيار الأول "بالتوافق بين مخرجات المُؤسسة من البحث العلمي وأهدافها البحثية؛ كما يُركز أيضا على توافق هذه المخرجات مع المعايير البحثية الدولية". أما المعيار الثاني فيهتم "بضرورة التأكد من استخدام المخرجات البحثية في التعليم داخل المُؤسسة".
وينظر المجال الرابع في موضوع "الأكاديميين"، أو بالأحرى "أعضاء هيئة التدريس"، وله أربعة معايير. يقضي أول هذه المعايير "بوجود إجراءات تنظيمية معلنة لاختيار وتعيين وترقية أعضاء هيئة التدريس، على أن تشمل هذه الإجراءات قضايا المؤهلات ومهارات التدريس". ويُركز المعيار الثاني على "التعليم المُستمر لأعضاء هيئة التدريس والارتقاء بعلمهم ومهاراتهم في التدريس". ويهتم المعيار الثالث "بوجود سياسة بعيدة المدى للارتقاء بإمكانات أعضاء هيئة التدريس الجدد". أما المعيار الرابع والأخير في هذا المجال فيهتم "بتمكين أعضاء هيئة التدريس من توخي النصح حول تطوير عملهم".
ويتطرق المجال الخامس إلى موضوع "الإداريين والفنيين" العاملين في المؤسسة وله معياران اثنان. يختص أولهما "بوجود إجراءات تنظيمية مُعلنة لاختيار وتعيين الإداريين والفنيين". ويركز المعيار الثاني على "التعليم المستمر للإداريين والفنيين والارتقاء بإمكاناتهم وعملهم".
ويأتي المجال السادس بعد ذلك ليهتم بشؤون "الطلاب" وله خمسة معايير. يقضي المعيار الأول "بوجود شروط وإجراءات منطقية ومعتمدة ومُعلنة للقبول في مختلف برامج المُؤسسة. ويُركز المعيار الثاني على "المساواة بين الذكور والإناث". ويختص الثالث "بمراقبة تطور منجزات الطلاب ومدة الدراسة التي يقضونها في برامجهم". ثم يهتم الرابع "بنسبة الأساتذة إلى الطلاب". ويقضي الخامس "بوجود خدمات تمكن الطلاب من تقييم تقدمهم الدراسي، ومن تلقي النصائح والتوجيهات عند الحاجة".
ونصل إلى المجال السابع الخاص "بالبنية التحتية للمُؤسسة" وله معيار واحد يقضي أن "تكون البنية كافية لاستيعاب تحقيق الأهداف المنشودة". وهُناك أخيرا المجال الثامن الذي يختص "بالتعاون" وله معيار واحد أيضا يهتم "بوجود علاقات أكاديمية ومُجتمعية ناجحة للمُؤسسة مع الجهات ذات العلاقة على المستويين المحلي والدولي".
أعطى هذا المقال عرضا مُختصرا لمعايير الاعتماد الأكاديمي في سويسرا، إحدى الدول المُتميزة معرفيا على مستوى العالم، لعل في ذلك بعض الفائدة للمهتمين. لكن ما نحتاج إليه فعلا هو دراسات في التعليم العالي تتابع شؤونه في مختلف دول العالم تجريها هيئة الاعتماد الوطني، وربما مؤسسات التعليم العالي ذاتها أيضا، وتتيحها لجميع العاملين في هذا التعليم، بل تقيم ورش عمل بشأنها تستنير بأفكارها. وليست الغاية هنا هي تقليد هذه الدولة أو تلك أو استقدام مختصين منها لتوجيه شؤوننا، بل الغاية هي تجميع الخبرات واستيعابها والاستفادة منها في رؤية مشهد الاعتماد بمختلف جوانبه، من أجل وضع معايير اعتماد أكاديمي متميزة تناسبنا وتتوافق مع طموحاتنا وتوجهاتنا نحو التنمية والتقدم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي