مرتكزات التعليم الناجح

في نظرة مسحية حول العالم، وبمقارنة بين الدول يتبين أن الدول المتقدمة، والقوية اقتصاديا، وعسكريا، والمتقدمة تقنيا، إضافة إلى البراعة السياسية لم تحقق هذا النجاح مصادفة، ولا بالجلوس على الكراسي الوثيرة، والتمني، بل إن ما تحقق جاء بفعل الاهتمام بالعلم، والعناية بأهله من جميع الجوانب. العناية تتمثل في عدة صور، يأتي في أولها اكتشاف النابغين من الطلاب، وهذا يقتضي التعرف عليهم مبكرا، بهدف العناية بهم، وإيجاد البرامج الإثرائية التي تسهم في بناء العقول التي تفكر بصورة علمية، كما أن من جهود العناية توجيههم لاختيار التخصصات التي تتناسب مع ما لديهم من استعدادات، وقدرات.
التشجيع، ورفع المعنويات، من خلال إعطاء الفرص للطلاب جميعا، والنابهين خصوصا يمثل أحد الإجراءات المهمة، ويتم هذا من خلال دخول المسابقات المحلية، والإقليمية، والدولية، ومن خلال إبراز إنجازاتهم العلمية في الأوساط الإعلامية، وفي المحافل العلمية، حتى لا تذبل عقولهم، ويشعروا بالإحباط، ومن ثم يخسر المجتمع عقولا واعدة، هو في أمس الحاجة إليها.
البيئة التعليمية ممثلة في المدرسة، والجامعة، والمعهد تمثل عاملا أساسيا في نجاح العملية التعليمية، التي تمثل بدورها المحرك الأساسي للعملية التعليمية في أي وطن يتطلع للنمو، والتطور السليم، القادر على تحقيق الأهداف الاجتماعية في جميع المجالات. البيئة التعليمية السليمة تتمثل في المبنى المناسب المعد من الأساس ليكون مدرسة، وليس مكانا يتجمع فيه الطلاب ليقضوا جزءا من يومهم بعيدين عن بيوتهم، البيئة المناسبة تتمثل في مكان يحن إليه الفرد عند بعده عنه، وليس المكان الذي يتمنى الخروج منه، كما لو أنه في سجن.
البيئة التربوية المناسبة يفترض إحداثها تغييرا إيجابيا لدى الطلاب من خلال تنوع الأنشطة التي تقدمها، إضافة إلى التشويق الذي تتضمنه، فهل تأملنا في بيئاتنا التربوية، وقيمناها بصورة موضوعية، وشفافة بعيدا عن عمليات التجميل المصطنعة، أو خداع الذات، والمجتمع في الوقت ذاته. البيئة التربوية تحتاج إلى تكاملها من الجوانب كافة، إذ لا يكفي المبنى الجميل، والنظيف فقط ـــ رغم أهمية وضرورة ذلك ـــ لكن المهم هو جودة استثمار المبنى بالشكل الصحيح، وهذا لا يتحقق ما لم تتوافر في المبنى جميع الاحتياجات من مصادر معرفة إلى تجهيزات، وتقنيات حديثة، إضافة إلى الإدارة المؤهلة القادرة على التخطيط السليم، والإبداع في الأنشطة، ومرونة التفكير.
مركزية اتخاذ القرار تفقد العملية التربوية الحيوية، والقدرة على المبادرة، بما فيه مصلحة العملية التربوية وتقتل الإبداع في الأنشطة، ما يحرم الوطن من الاستفادة من خبرات المعلمين الثرية، والإداريين الناجحين، وفي هذا الصدد أقترح أن تنظم لقاءات على شكل اجتماعات بين مديري ومعلمي مدارس محافظات مناطق المملكة المختلفة على أن تكون اللقاءات بعيدة عن النمط الرسمي البيروقراطي القاتل.
تحديات، وطموحات الحاضر، والمستقبل تحتم أن يكون نظامنا التربوي أكثر فعالية، وقدرة على النهوض بالوطن، لا ليحقق احتياجاته فقط، بل ليكون منافسا قويا على الساحة الدولية، ولتصل بضائعه المادية والفكرية أرجاء المعمورة كافة. قبل فترة وجيزة ظهرت نتائج الاختبار الدولي للرياضيات، والعلوم المعروف اختصارا بـ TIMSS، الذي شاركت فيه المملكة مع دول الخليج، ومن المؤسف أن النتائج لم تكن مشجعة، إذ بينت النتائج حصول الطلاب المشاركين على نتائج متأخرة. مثل هذه النتيجة تتطلب اهتماما، ومراجعة لواقع المنظومة التربوية من مناهج، وبيئة تربوية، ومعلم، وطرق تدريس، وكل العوامل ذات العلاقة، خاصة أن المعنيين يؤكدون أن مناهج المملكة في هاتين المادتين لا تختلف عن الدول التي حازت مراكز متقدمة، لكن الأمر لا يقتصر على المنهج فقط.
برنامج "التحول الوطني"، و"رؤية 2030" يتطلبان جيلا متسلحا بالمعرفة المتقدمة الحديثة ليبارز نظراءه في الدول الأخرى، ومع أن نتيجة اختبار TIMSS حظيت بشيء من الاهتمام من قبل البعض كمركز التميز البحثي في تطوير تعليم العلوم، والرياضيات في كلية التربية في جامعة الملك سعود الذي عقد ورشة عمل تمت فيها مناقشة النتائج وتحليلها، إلا أن غياب جهود وزارة التعليم بشأن نتيجة الاختبار، وترتيب المملكة يثير شيئا من التساؤل!
في ورشة العمل المشار إليها لاحظت أن اهتمام المتحدثين منصب على النتائج بحد ذاتها، حتى إن أحدهم ذكر في عرضه أن سبب ترتيب المملكة المتأخر يعود إلى أن المنهج الدراسي لا يغطي جميع أسئلة، وبنود الاختبار، ومثل هذا التفكير خطأ من أساسه، إذ إن الاهتمام، والعناية يفترض أن تركز على بناء القدرات، ولا يكون اهتمامنا منصبا على الاختبار، فبناء، وصقل آليات التفكير كفيلة بإيجاد الجيل القادر على تحمل مسؤوليات التنمية، والإبداع في المجالات كافة، إضافة إلى تحقيق طلابنا مراكز متقدمه في اختبار TIMSS أو أي اختبار آخر مهما كانت صعوبته، ولذا البيئة المناسبة، والمعلم المقتدر، وتوفير الإمكانات منطلقات نجاح ضرورية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي