التناوش من بعد
لعل وسائل التواصل المجتمعي هي أشهر مصادر المعلومات هذه الأيام، هذه الحقيقة التي استغلها كثيرون في ترويج مفاهيمهم ونشر وجهات نظرهم باعتبارها وقائع يعتمد الناس عليها في التحليل واتخاذ المواقف. بناء على ما سبق تجد كثيرين يبادرونك صباح كل يوم بعبارة من عبارات التذكير بالمقاطع أو الأخبار التي انتشرت البارحة.
الغريب أننا نبدو متباعدين في أرض الواقع ونجتمع بشكل غير متوقع في هذه الوسائل، بل إنك تجد كل الأسرة تشاهد المقاطع نفسها وتقرأ العبارات والأخبار نفسها مع أنهم لا يتشاركون الأصدقاء أو المجموعات أنفسهم. أمر حيرني كثيرا وهو يصبح ظاهرة فريدة تجمع الناس رغم اختلاف مراجعهم واهتماماتهم.
شجع هذا كثيرا ممن يمارسون عمليات التركيب الذكي للوقائع أو الصور أو المقاطع لتكوين قاعدة كبيرة من المراقبين والمتابعين، ولا تكاد تجد أحدا لم يقرأ مقال فلان الذي لا يكتب في الصحافة المحلية وإنما هنا في وسائل التواصل. تكاد تتابع كل نكات الشخصية التي انفردت بالجو داخل العالم الافتراضي، كما أصبح للشخصيات المشهورة في هذه الوسائل قدرة كبيرة على تغيير الآراء والدفع بأفكار ومواقع معينة للمقدمة.
أصبح هؤلاء يحكمون المزاج العام، وتدعوهم أكبر المحال التجارية لزيارتها والحديث عنها في "السناب" أو "الواتساب" أو غيرهما من وسائل التواصل لتصل بضاعتها كل الناس بواسطة تلك الشبكة التي تجمعنا رغم اختلاف اهتماماتنا. يحصل هؤلاء على مردود كبير من الإعلانات التي يظهرون فيها، وتصل أسعارهم إلى أرقام خيالية تبنى على عدد المتابعين وقبول الشخصية وما تقدمه من أفكار.
يحدث هذا رغم الجهد الذي يبذله آخرون ممن سحب القادمون البساط من تحت أقدامهم لتحويل انتباه الناس عن الجيل الجديد المسيطر على الساحة. ومهما قال الساخطون من هذا الجيل، فهم لا يزيدون أبطال ساحة التواصل إلا بقاء وسيطرة بعكس ما يريده مخالفوهم. قد يبدو كثير من الدعاوى التي نشاهدها ضد المسيطرين على الساحة كيدية، وقد يبني كثير منها على وجهات نظر شخصية لا تدعمها حقائق.
الواضح أن الخلاف والاختلاف مستمر، وهو لمصلحة الجيل القادم على حساب أولئك الذين سيطروا في البداية لأسباب مختلفة. ثم إننا نعيش مرحلة من التقدم السريع تبنى على مبدأ التأثير في المشاعر والعواطف لتحقيق رؤى معينة وردود أفعال محبذة وإن بأساليب غير مهنية.. وهذا حديثنا غدا بحول الله.