مستقبل الاستثمار السياحي في قرى التراث الوطني
يشكل الاستثمار السياحي نسبة عالية من دخل الدول المتقدمة التي تحرص على المحافظة على المواقع التاريخية والآثار كمورد اقتصادي وكامتداد تاريخي لا ينقطع، كما تحرص على تنفيذ المواقع والمناشط الحديثة التي جعلت من القطاع السياحي وأنشطته أحد عوامل الجذب الرئيسة للاستثمار السياحي رغم صعوبة التضاريس والمناخ في بعض مناطق العالم. تذكر الدراسات أن إجمالي الدخل للنشاط السياحي عالميا بلغ نحو 4.5 مليار دولار في بدايات هذا القرن، لاستثمارات تفوق 657 مليار دولار، يعمل فيها نحو 208 ملايين عامل (دراسة القحطاني، 2002).
في فرصة التقيت مسؤولي قريتين من قرانا السياحية في المملكة في منطقة عسير، قرية بن حمسان التراثية، وقرية رجال ألمع، ورأيت مقدار الشغف والاهتمام لدى ملاك هاتين القريتين بموضوع المحافظة على التراث ونقل تاريخ وحضارة الأجداد للأجيال المقبلة، رغم الصعوبات المالية التي تواجه مثل هذه المشاريع وتحرمها تحقيق الاستدامة المبتغاة. في كلتا القريتين لمست غياب الوعي الاستثماري المؤسسي، واعتماد المشروعين على الكفاءات الفردية والأموال المحدودة التي لن تحقق النماء على المدى البعيد، ما قد يفقدنا فرصة الاستفادة من هكذا مشاريع في المستقبل، تكاد تكون الرابط الرئيس بين تاريخ أجدادنا وبين الحضارة التي نعيشها في هذا الزمان.
استفسرت أحد رجالات القريتين العم إبراهيم الألمعي عن إمكانية تأسيس شركة استثمارية لإدارة القرية وتطوير ممتلكاتها والمحافظة على مستوى عال من الخدمات يليق بسمعة القرية وبتاريخ الأجداد، فكان رده أن هذه الشركة فشلت لأسباب عديدة من أهمها ضعف الموارد المالية، وغياب المستثمر الواعي الذي يحرص عادة على العائد السريع، غياب الكفاءات المتخصصة في مناشط الآثار والسياحة والاستثمار والتسويق وغيرها، ـــ وإن لم يقل ـــ لمست صعوبة في الإجراءات، وضعف التشريعات، وغياب الدعم الحكومي المتدفق عن مثل هذه المشاريع. الزيارة كانت بمعية المهندس صالح القاضي أمين أمانة عسير، الذي أبدى الاستعداد والشغف لتذليل جميع العقبات أمام القرية التراثية في رجال ألمع. الاستثمار السياحي في المملكة نشاط قديم يعاني كغيره من أنشطة الاستثمار المجتمعي ضعف الموارد، وضعف التشريعات، وغياب المؤسسات الوطنية الداعمة. الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني قدمت الكثير إجمالا، القليل لكل مدينة وقرية، وتعمل وفق جهود وتوجيهات الأمير سلطان بن سلمان الذي يمثل إحدى أهم دعائم هذا النشاط في المملكة. وقد تخلصت الهيئة معنويا من عبء السياحة الترويحية ومناشطها الفنية والمسرحية، لتركز مستقبلا على المواقع السياحية والآثار.
"رؤية السعودية 2030" حملت لنا الكثير فيما يخص السياحة والآثار، ويجب أن تتحقق هذه المستهدفات لإنماء هذا القطاع الاستثماري بالشكل الصحيح. ومنها رفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في «اليونسكو» إلى الضعف. وبالإيمان بمقدراتنا وتوظيف استثماراتنا سنحقق ذلك ونزيد.