مشترك السوق الخليجية وتحقيق الاتحاد
يبقى التكتل الاقتصادي الخليجي القوي هدفا مهما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، التي قطعت بالفعل أشواطا مختلفة على مختلف الأصعدة، باتجاه الوصول إلى مرحلة التكامل، التي ستكون محطة إلى حالة الاتحاد المطلوبة. وتلعب المملكة دورا محوريا في هذا الخصوص، إلى جانب الجهود التي تبذلها بقية دول المجلس. المسألة ليست محصورة فقط في الناحية الاقتصادية، بل في كل النواحي والمجالات الأخرى، ولا سيما مع اعتماد عشرات القوانين في السنوات الماضية التي تسهم في تمكين مجلس التعاون، على صعيد شعوب بلدانه، وعلاقاته الدولية، مع تزايد حجم التهديدات التي تشهدها المنطقة، خصوصا في السنوات القليلة الماضية، بل استهداف المنطقة باستراتيجية تخريبية يقودها النظام الإيراني، وعصاباته المنتشرة في هذا البلد أو ذاك.
مما لا شك فيه، تمكن مجلس التعاون من تحقيق كثير من الإنجازات التي صبت مباشرة في مصالح جميع دوله، ودعمت هذه الإنجازات أيضا الحراك الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي الخليجي على الساحة الدولية. ورغم كل المستجدات التي حصلت في المنطقة، ظل المجلس شكلا ناجحا من أشكال التعاون إقليميا، ناهيك عن نجاحه الذي لا يقارن بالتجارب العربية السابقة، التي انتهت كما نعلم. بل إن بعضها انتهى حتى قبل أن يبدأ. هذا النجاح الخليجي يستحق المزيد من الحراك من أجل إيصاله إلى المرحلة الأكثر استدامة التي تسعى إليها كل دول المجلس. ومن هنا، نجد تشجيعا كبيرا ليس فقط من الجانب الرسمي (ولا سيما السعودي)، بل من جهة القطاع الخاص الذي يمثل في النهاية شريكا رئيسا للحكومات على الساحة كلها.
وهذا القطاع الذي جاء ضمن أولويات مخططات التنمية كلها في جميع بلدان مجلس التعاون، يتحرك في كل الاتجاهات من أجل تذليل العقبات التي تعترض تطبيق مسار السوق الخليجية المشتركة وكذلك الاتحاد الجمركي. والسوق المشتركة تمثل من ناحية نظرية وعملية الأساس لأي تكامل خليجي مقبل، وبالتالي لأي اتحاد سيظهر لاحقا على الساحة. وهي في الواقع، لا توفر المنافع المرجوة للدول الخليجية المعنية، بل تساعد على مواجهة التحديات العالمية كلها. ونحن نعرف أن وضع الاقتصاد العالمي ليس مستقرا، سواء بفعل ترددات الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت في عام 2008، أو بسبب فوضى صنع القرار الاقتصادي العالمي، دون أن ننسى، أن الدافع الشعبوي في بلدان عديدة عالميا، زاد من حالة الإرباك في المشهد كله.
السوق الخليجية المشتركة، لا شك ستقود نحو الوحدة الاقتصادية الشاملة، مع تجانس الاقتصادات الخليجية، فضلا عن وجود قوانين واتفاقيات مشتركة تنفذ فعلا. بعضها يعود لسنوات طويلة. أي أن الأجواء مواتية، مع مرور مجلس التعاون الخليجي بمحطات طبيعية وليست مفتعلة، ومع تحركه على أساس ما هو موجود فعلا، بعيدا عن الأوهام التي غلبت على حالات كثيرة في بلدان عديدة، بما فيها بلدان غربية راسخة التجربة. ومع الشراكة الموجودة أصلا بين القطاعين العام والخاص في جميع بلدان مجلس التعاون، فإن التحركات التي تتم من جانب القطاع الخاص باتجاه دفع الأمور نحو السوق الخليجية المشتركة، تزيد من قوة الحراك ككل. فالمسألة ليست عاطفية بل عملية وواقعية.
هناك عقبات أمام السوق المنشودة، ويمكن بالفعل تذليلها بالاستناد إلى القواعد الثابتة التي بنيت في مجلس التعاون على أكثر من ثلاثة عقود. ليست هناك أوهام في هذا المجال، وكل خطوة تتم باتجاه السوق، هي خطوة أخرى نحو الوحدة الاقتصادية، التي بدورها ستؤدي إلى مرحلة الاتحاد. والسعودية كانت منذ سنوات واضحة في هذه المسألة، من خلال طرحها مسألة التحول من التعاون إلى الاتحاد، وفق الظروف والمعطيات الحقيقية.