المسؤولية السعودية في الاتفاق التاريخي
لا شك في أن المفاوضات التي أدت إلى اتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" وبعض الدول المنتجة خارجها، كانت صعبة بل قاسية. بعد أن مرت المفاوضات نفسها بسلسلة من التعطيلات والإعاقات والتصريحات العدوانية من جانب إيران، التي كان يفترض عليها، التعاون مع "شركائها" في "أوبك". وبذلك يمكن تقسيم المفاوضات التي أدت إلى الاتفاق التاريخي إلى مرحلتين، الأولى لجم إيران بسياساتها المفضوحة، والثانية، دفع البلدان المنتجة للنفط من خارج المنظمة إلى الالتزام بما يتم الاتفاق عليه، وتحديد حصص الخفض العادلة. فالمسألة لم تعد ترتبط بمداخيل البلدان النفطية بقدر ما تختص باستدامة الأسعار عند مستويات مقبولة، وبالتالي استقرار السوق النفطية بصورة توائم الحراك الاقتصادي العالمي.
المملكة لعبت الدور الأكبر في الوصول إلى هذا الاتفاق، منطلقة من مبادئها المعلنة للجميع، ليس الآن، بل منذ عقود. وهذه المبادئ تستند بالدرجة الأولى إلى العدالة في الأسعار بالنسبة للمنتجين والمستهلكين، واستقرار السوق على وتيرة إيجابية واضحة. ورغم الأثر السلبي في عوائد السعودية من تراجع أسعار النفط طوال أكثر من عامين، إلا أنها التزمت بهذه المبادئ، لأنها تعمل من أجل المستقبل أولا وأخيرا، كما أنها ترسم استراتيجيتها النفطية من واقع المسؤولية الدولية. دون أن ننسى، أن السعودية قادرة على مواجهة أي متغيرات سلبية على هذا الصعيد، وأثبتت ذلك من خلال سلسلة من السياسات الاقتصادية احتوت التحولات السلبية في أسعار النفط، والاهتزازات التي شهدتها السوق النفطية طوال الفترة الماضية المشار إليها.
الاتفاق الأول منذ عام 2001، حدد الأطر العامة والخاصة في خفض الإنتاج، كما أنه تضمن نقطة مهمة جدا تتعلق بخفض البلدان خارج "أوبك" لإنتاجها بما يصل إلى 558 ألف برميل يوميا. ومثل هذا الاتفاق لن ينعش أسعار النفط الخام فحسب، بل سيدفع بعودة كثير من الاستثمارات إلى الساحة، بعد أن توقفت بفعل الانهيار الحاد للأسعار. والخطاب السعودي كان واضحا وصادقا في هذا المجال، لخصه المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بقوله "أسسنا لبرامج تعاون طويلة المدى تحقق استقرار السوق". مشيرا إلى أن الصدمة التي تعرضت لها الأسواق خلال العامين الماضيين "حفزتنا على دعم التعاون المشترك". إنه التعاون الذي تضعه المملكة على رأس الأولويات، وهذا يعني أن أي محاولة لتعطيل هذا التعاون أو التشويش عليه، لن تسمح السعودية بها، وهي قادرة على ذلك.
الاتفاق التاريخي، سيحقق بالفعل إمدادات آمنة من النفط، ما يعزز الحراك الاقتصادي العالمي وفق وتيرة مستقرة أكثر. ولأن السعودية تتحرك بمسؤولية، فإنها تحملت العبء الأكبر من خفض الإنتاج لتصل حصتها إلى قرابة نصف مليون برميل يوميا. الخطوة الآن تختص بتطبيق هذا الاتفاق، ومن الواضح أن البلدان التي اشتركت فيه عازمة على إنجاحه بأفضل صورة. إنه يصب في النهاية في مصلحة كل الأطراف، بما فيها الأطراف المستوردة للخام، رغم أنها ستواجه ارتفاعا في الأسعار، لكنه سيكون معقولا ومقبولا أيضا بالنسبة لها.
لا يمكن ترك الأمور في المسألة النفطية لأهواء أنظمة لا تعرف معنى للمسؤولية، بل لديها مخططات تخريبية إن أمكن لها ذلك. كما ليس مقبولا أن تكون هناك تجارة "من تحت الطاولة"، من هذا الطرف أو ذاك. فهذه السلعة عالمية بقدر ما هي وطنية، والسياسات التي تتخذ الآن تمهد الطريق لمزيد من التعاون بما يتناسب مع الحراك العالمي العام.