دول الخليج للعالم: قادة وشعوب على قلب «حزم» واحد
مضى وقت طويل دون أن تكون هناك فرصة احتفالية مواتية تعبّر فيها الحكومات والشعوب الخليجية عن مدى تضامنها وتآزرها، وعن شعورها المشترك بوحدة الفرح والهدف والمصير. فالأحداث المحيطة والملتهبة في المنطقة كانت تمضي بخط متسارع في اتجاهات لا معلومة من الانشطار ومشاعر الحزن والأسى. إلا أن جولة خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز الخليجية أعادت أخيرا الأمل إلى شعور وحدوي يملأ النفوس العربية قبل الخليجية.
فكان التنافس في الاحتفاء والتكريم بضيف الخليج الكبير أمرا لافتا للجميع بزخميه الرسمي والشعبي، في رسالة قوية وجلية لدول الجوار الطامعة، كما للدول الصديقة، إن هذا الخليج قادة وشعوبا، رؤى وطموحا، على قلب رجل واحد و"حزم" واحد. تضامن يحتاج إليه الخليج كما تحتاج إليه المنطقة العربية المتضررة من تدخلات إيران وأعوانها، في الخفاء وفي العلن.
أبلغ رد
إذ تأتي هذه الجولة، مفندة لكثير من الشائعات والأكاذيب، التي يروج لها "عرب" محسوبون على إيران، إعلاميا وسياسيا، فيما يتعلق بطبيعة العلاقات الخليجية البينية ومآلاتها المستقبلية، وفقا لإسقاطات دعائية موجهة، الغرض منها النيل من الوحدة الخليجية. وأنها كغيرها من العلاقات السياسية تأثرت بأحداث المنطقة وانقساماتها في أعقاب ما عرف بـ "الربيع العربي". ولكن ما يخفى على هؤلاء الموجَهين برغباتهم المؤدلجة، الناكرة لعروبتها، والغارقة في التبعية الأصولية لطهران الملالي، أن البيت الخليجي بني على دعائم وأواصر ثقافية واجتماعية قبل أن تكون اقتصادية أو سياسية.
#2#
فقبل أن تنعم هذه البلاد بثرواتها الاقتصادية ووحدتها السياسية، عانى الآباء والأجداد كثيرا على مستويات عدة، لكن هذا لم يمنعهم أن يكونوا عونا وسندا لبعضهم البعض ضد النيات الإقليمية والدولية المعادية، غربا وشرقا، فكانوا مثالا يحتذى لمن أتى بعدهم من أبناء وأحفاد في ثقتهم اللا محدودة ببعضهم وبقادتهم، مؤكدين تاريخا وحاضرا على ما لمسه خادم الحرمين في ختام جولته الخليجية من ترابط ووحدة صف، مثمنا في تغريدته التي أعقبت زيارته الأخيرة لدول الخليج العربية وشعوبها هذه الحفاوة، ومعبرا عما يكنه لها من تقدير، من خلال تواصل عفوي ومباشر لا يعادله في البساطة والتقدير إلا ما حظي به الملك سلمان من استقبال وفرح شعبي امتد ليزين أروقة الشوارع ومداخل المدن الخليجية وقاعاتها الاحتفالية.
وحدة صف
احتفاء عفوي عارم، لا يفرق بين شيخ كبير أو طفلة صغيرة، جبلت على مناداة الأمراء والملوك بكلمة "بابا"، وتفاعل شعبي مستمر ومتواصل لا يدركه كثير من الأنظمة السلطوية الأمنية في المنطقة، ولا جيوشها من المحللين والمراقبين، المجبولين بطبعهم وطبيعتهم على الريبة والشك، وعلى منح الولاءات الوطنية ونزعها بين يوم وليلة.
#3#
ترابط ووحدة صف بين شعوب وقادة ودول لم يغوه أو يغرِه ظهور الثروات أول ما ظهرت قبل عشرات السنين، ليتشارك الجميع في الترقي المعيشي والبناء التأسيسي، ويشاركون غيرهم من إخوانهم العرب كما لن تثني عزمه اليوم مراجعات نقدية واقتصادية، يظن الغافل بطبيعة هذه الشعوب وحكمتها وأنفتها أنها ستكون مصدر فرقة وتنافس. في حين يعلم العارف والمعايش لهذه الشعوب عن قرب أنه لن يزيدها إلا تماسكا وحرصا على وحدتها وتوافقها واتفاقها.
وهو ما عبر عنه عمليا كثير من الرؤى الاقتصادية الطموحة التي تبناها كثير من دول الخليج بجدولة واضحة ومعلومة وبشفافية ومشاركة مدنية أسهم في صياغتها أبناء البلد ذاته. وصولا إلى تكتلات اقتصادية أكبر حجما بين دول التعاون برعاية القيادات الاقتصادية والسياسية عبّر عنها الاجتماع الأول لمجلس الشؤون الاقتصادية الخليجي في جلسته الأولى برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد في الرياض، لتشدد لاحقا على ضرورة هذا التكتل الاقتصادي مع بيان وتبني آلياته قمة البحرين الأخيرة، الأمر الذي جعل تقارير غربية اقتصادية متخصصة تصف دول الخليج بالنمور الخليجية القادمة على غرار "النمور الآسيوية" المعروفة بحجم استثماراتها وتأثيرها في السوق العالمية.
ضد «العدوانية»
كما لم تخل قمة الصخيرات في البحرين من شراكات خليجية سياسية وأمنية دولية توجت بحضور تيريزا ماي رئيسة وزراء بريطانيا، التي استهلت هذا الحضور بتصريحات تعبر عن قلق بريطانيا بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام تجاه التهديدات الإيرانية لأمن الخليج وللمعابر البحرية وتحديدا مضيق هرمز، مشددة على أن أمن الخليج بالنسبة إلى بريطانيا خط أحمر ولا يحتمل أي شكل من أشكال "عدوانية" إيران المتكررة في المنطقة.
#4#
وفي السياق ذاته تناولت ماي حجم الفرص الاقتصادية، الممكنة بين دول الخليج وبريطانيا، بتعزيز ما هو قائم والعمل أيضا على فرص أخرى جديدة وكثيرة تنامت حكما بخروج بريطانيا المحتم من الاتحاد الأوروبي، مذكرة بشراكة تاريخية طويلة بين بريطانيا والخليج، وبما تعنيه هذه الشراكة الاستراتيجية لبريطانيا على مر عقود خلت من موقع استراتيجي مميز ومصداقية في التعاطي والتعاون.
يبقى أن هذه الجولة التاريخية لخادم الحرمين تعني الكثير للمراقبين إقليميا ودوليا في رمزيتها وفي تزامنها مع القمة الخليجية الـ 37 التي أصبحت استثنائية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ـ خصوصا ـ بعد هذه الجولة وما قدمته من صور تلاحم رسمي وشعبي كفيل بأن يجعل كثيرا من الكتابات والتحليلات الخادعة أو المخدوعة، عربيا وغربيا، تعيد النظر في حساباتها تجاه هذا "الاتحاد الخليجي" وتأثيره اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، الذي وإن تأخر كشكل إجرائي إلا أنه بات حاضرا وملموسا، روحا وجوهرا، بالنسبة إلى كل منصف وطالب حق.