اتفاق المناخ العالمي في دائرة التنفيذ

حصل اتفاق باريس للمناخ على دعم عالمي مرتفع فعلا، منذ إقراره في قمة باريس التي عقدت العام الماضي. ورغم الأعباء المالية لهذا الاتفاق التي تقع على كاهل البلدان المتقدمة، إلا أنها دعمته، وذلك بعد عقود من التلكؤ والتراخي، بل كانت هناك جهات تنشط في الفترة السابقة للاتفاق المذكور، من أجل إقناع العالم بأن التغير المناخي ليس موجودا أصلا، وإن وجد في حالة من الحالات، فهو ليس بسبب الانبعاثات التي تسببت فيها بلدان العالم، وتحديدا البلدان الصناعية، المسؤول الأول عن هذه الانبعاثات الخطيرة. وقامت شركات ذات أسماء عالمية رنانة في السنوات الماضية، بتمويل حملات تستهدف تكريس الحقيقة المغايرة للواقع. وجرت بالفعل تحقيقات سرية وأمنية، وتلك مرتبطة بالفساد، وقد فضحت جانبا من هذا التمويل في السنوات القليلة الماضية.
مع انتخاب دونالد ترمب رئيسا للولايات المتحدة، ظهر قلق واضح ومعلن من قبل البلدان الراغبة في تكريس اتفاق باريس للمناخ، ولا سيما أن ترمب أعلن مرارا ودون تردد أنه يعارض مثل هذه الاتفاقات، وأنه من أولئك الذين يؤمنون بمواصلة الحراك الصناعي والإنتاجي بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى، بما فيها بالطبع الاعتبارات البيئية. وهذا التوجه "كما هو معروف" يتعارض مع موقف إدارة الرئيس باراك أوباما، التي دعمت الاتفاق وسط ترحيب منقطع النظير من جانب الدول الداعمة له، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار، أن الولايات المتحدة تتصدر البلدان الأكثر "صناعة" للانبعاثات المتسببة في تخريب البيئة، ولا سيما طبقة الأوزون، وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية التي أدت بدورها إلى ذوبان مناطق شاسعة من القطبين الشمالي والجنوبي.
في المؤتمر المناخي الدولي الـ22 الذي عقد أخيرا في مراكش، ظهرت المخاوف من الموقف الأمريكي المقبل حيال اتفاق المناخ بصورة جلية، وتحدث قادة الدول المؤثرة عن ضرورة التزام أي إدارة أمريكية مقبلة بهذا الاتفاق ليس فقط من أجل العالم، بل من أجل الولايات المتحدة نفسها. وفي الواقع لم تظهر في الأفق حتى الآن أي علامات إيجابية من جانب فريق ترمب المنشغل حاليا بتشكيل الإدارة الأمريكية المقبلة، فضلا عن أن مواقف الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة تاريخيا لا تتسم بالتعاون في هذا المجال لأسباب رأسمالية بحتة. لكن هناك من يعتقد، أن وجهة نظر الرئيس الأمريكي الجديد أكثر تطرفا ضد اتفاقات المناخ (بصورة عامة) من أي موقف مماثل على صعيد الحزب الجمهوري الأمريكي.
وفي كل الأحوال، ستكون هناك مرحلة من الترقب والانتظار والقلق حتى تتضح الصورة. فالمسألة لا تتعلق فقط بإجراءات وأدوات حماية البيئة والمناخ وصيانة مستقبل الكرة الأرضية، بل أيضا بتمويلات ضخمة من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، وفي مقدمتها بالطبع تخصيص 100 مليار دولار لدعم البلدان النامية بحلول عام 2020، على اعتبار أنها تحتاج إلى آليات حقيقية لكي تقوم بدورها على صعيد إنجاح الاتفاق المناخي العالمي. بالطبع لا تزال الأموال المعلنة في مرحلة الوعود، غير أن الواضح أن البلدان المتحمسة بالفعل لحماية المناخ جادة في الالتزام هذه المرة، على اعتبار أن الأمر لا يتحمل التأخير.
وتواجه الدول الراعية المباشرة لاتفاق باريس للمناخ استحقاقا في عام 2018، وهو السنة التي يتعين فيها تقديم حصيلة عن نتيجة الخطوات التي اتخذتها البلدان المعنية في مجال تحقيق أهداف الحماية المناخية. والمسافة الزمنية من الآن وحتى ذلك العام قصيرة، الأمر الذي يزيد من حدة التوتر في هذا المجال، ولا سيما مع عدم وضوح الرؤية حيال الموقف الأمريكي المقبل من مسألة التغيير المناخي برمتها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي