الثقة الملكية .. ومسؤولية مجلس الشورى
شرفت الأسبوع الماضي بتعييني عضوا في مجلس الشورى لدورته السابعة، والثقة الملكية تاج ومحل فخر واعتزاز، وسأظل أحمل هذا الفخر ما بقيت، وأظل أزهو به دائما، فقد ألبسني خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -رعاه الله- لباس عز، لكن مجلس الشورى مسؤولية كبيرة جدا، ويكفي فيها قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم". فهي في دين الله حق، والشورى من شرع الله المنزل على رسوله، وهي أمانة عظيمة، ومع اهتمامي الشديد بذلك فإني لا أملك اليوم إلا أن أسأل الله التوفيق فيها والسداد في الرأي والمشورة. من يقرأ تاريخ مجلس الشورى في المملكة فسيعرف حتما أهمية هذا المجلس لدى ولاة الأمر في المملكة، ومن يقرأ ذلك التاريخ فسيشعر حتما بما شعرت به من رهبة المسؤولية، فهذا المجلس قد بُنيت لبناته بأسماء عظيمة خلدها التاريخ السياسي في المملكة وخلدتها كتب التاريخ في العالم أجمع، فهناك تجد خطابات الملوك من آل سعود وتجد اسم الملك فيصل -رحمه الله-، ومجلسه في رئاسة الشورى، وتتلمس هناك حكمته ومبادئه العظيمة، وستجد أسماء مفكرين كبارا تلألأوا في سماء الوطن، وسطروا من خلال المجلس أنظمة الدولة وسياساتها، فمن يجاري كل تلك القامات والهامات العظيمة التي مرت على مجلس الشورى في تاريخه الممتد مع تاريخ السعودية، إنها ملحمة من الوحدة الوطنية بين القادة والشعب.
"الشورى" في المملكة ليس مظهرا من مظاهر العمل البرلماني فقط، بل سياسة شرعية تبنتها هذه الدولة -رعاها الله وحفظها-، وقد أخذت على عاتقها الحكم بكتاب الله وسنة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وتعهد الملك المؤسس -رحمه الله- بأن يحيي في الناس ما اندثر من سنة نبيهم الكريم، فقد دعا -يرحمه الله- من مكة المكرمة عام 1343هـ/1924؛ إلى الشورى، وفي اختيار مكة المكرمة للإعلان عن ذلك دلالة لا تفوت على كل ذي لب، وقد جعل الشورى من ذلك الحين ركيزة أساسية في حكمه وفق الأسس الشرعية لدولة دستورها الكتاب والسنة. ولتأكيد الجدية في العمل جاء تأسيس أول مجلس منتخب في 1343هـ الموافق 1924؛ أي قبل أكثر من 90 عاما من اليوم، وأطلق عليه المجلس الأهلي للشورى برئاسة الشيخ عبدالقادر بن علي الشيبي، ويضم في عضويته 12 عضوا، ولما كان بناء الدولة لم يكتمل، ولا يوجد مجلس للوزراء حتى ذلك الحين، فقد قام المجلس بتنظيم مواد أساسية لإدارة البلاد، ثم تم تشكيل مجلس منتخب بعد ستة أشهر يمثل جميع حارات مكة المكرمة، وعددها 12 حارة، على أن يكون اثنان من العلماء، وواحد عن التجارة، إضافة إلى ثلاثة أعضاء يعينهم الملك عبدالعزيز من أعيان البلد. ثم صدرت موافقة الملك المؤسس في 1345هـ الموافق 1926، على التعليمات الأساسية لنظام الحكم، ومن ضمن تلك التعليمات القسم الرابع الخاص بالمجالس، ومنها ما يتعلق بالشورى وتسميته بمجلس الشورى، وتم تحديد تشكيلة أعضائه الذين بلغ عددهم 12 عضوا، وتحديد انعقاد جلساته، ومن لهم حق حضور الجلسات، ومدة العضوية، وقد كانت سنة واحدة في ذلك الحين. ثم صدر أمر ملكي بتعديلات أهمها أن يلزم المجلس بأعضاء مفرغين عددهم ثمانية أعضاء، برئاسة النائب العام لجلالة الملك الأمير فيصل بن عبدالعزيز في ذلك الوقت، وأن يُنتخَب نائب ثان من قبل المجلس، على أن ينعقد المجلس مرتين في الأسبوع، ويعد هذا العام تاريخ التأسيس الفعلي لمجلس الشورى في عهد الملك عبدالعزيز، وقد افتتح الملك عبدالعزيز دورته الأولى في 1346هـ، الموافق 1927.
فالعمل في مجلس الشورى والاهتمام به ليس وليد ظروف سياسية أو تعقيدات حضارية، بل هو عمل سياسي راسخ في الحكم السعودي وركن من أركانه، وضع حجره الأساس الملك المؤسس -رحمه الله- وخطاب الملك في مجلس الشورى مباشرة بعد التعيين وتعيين الملك فيصل -رحمه الله- في ذلك الوقت رئيسا للمجلس دلالة لا تحتمل التأويل حول أهمية المجلس وحضوره في نظام الحكم السعودي، وقد حافظ الملوك من بعد الملك المؤسس على ذلك الإرث الحضاري العظيم طوال عقود من الزمان. وقد عقد المجلس منذ عهد الملك عبدالعزيز حتى نهاية عهد الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمهم الله- 6222 جلسة، أصدر خلالها 9349 قرارا، وعدد دوراته بلغ 51 دورة.
وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- تم إصدار نظام جديد لمجلس الشورى عام 1412هـ، وفي دورته الأولى الجديدة كان المجلس مكونا من رئيس و60 عضوا، وفي دورته الرابعة صار المجلس مكونا من رئيس و150 عضوا، من أهل العلم والخبرة والاختصاص، وشاركت المرأة في المجلس في دورته السادسة حينما قرر الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطابه التاريخي تحت قبة المجلس تعيين المرأة عضوا في مجلس الشورى، ليمنح -رحمه الله- المرأة السعودية حق المشاركة في صناعة القرار الوطني. وبهذا يظهر اهتمام قادة المملكة منذ عهد المؤسس بالشورى، وأنها قاعدة أساسية في العمل، ويأتي تعيين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله- لأعضاء مجلس الشورى في دورته السابعة استمرارا لهذا النهج، وسيكون على أعضاء المجلس الجدد أو الذين تم التجديد لهم تحمل المسؤولية الكبرى والثقة الملكية الغالية والعمل بكل جد لإنجاز ما تحتاج إليه خطة التحول الوطني 2020 والعمل على تحقيق "رؤية المملكة 2030".