«أمازون» .. وتصدير السعوديين للتقنية

يبدي الإعجاب كل من يشاهد مقطع الفيديو الذي يتحدث عن التجربة الشرائية الجديدة في متجر أمازون القادم الذي سيتم افتتاحه في مدينة سياتل بعد بضعة أشهر، دون "كاشير" واصطفاف، مع تحميل لحظي في عربة التسوق يمكنك من أن تأخذ المنتج من الرف وتحمله إلى خارج المتجر دون أي عوائق. تجربة جديدة للتسوق ربما على مستوى تاريخ البشرية كله. محليا، حصدت شركة أمازون عملاق التجارة الإلكترونية انتباه كثيرين خلال الأسابيع الفائتة. كانت البداية من تجدد الشائعات القديمة بخصوص الاستحواذ على موقع سوق.كم، خصوصا بعد زيارة رئيس ومؤسس الشركة للمنطقة، وفعلا، بعد الزيارة مباشرة خرجت بعض المصادر مؤكدة لمحادثات الشراء. أيضا، تساءل البعض عما إذا ما كان الاستثمار السعودي في منصة نون له علاقة بوجود عملاق التجارة الإلكترونية الذي كان يظهر سابقا وكأنه لا يولي المنطقة وأسواقها الاهتمام الذي تستحق. لا ينكر أحد أن هذه الشركات الضخمة باتت تؤثر في حياتنا بشكل أقوى من السابق وبإيقاع متسارع جدا، أعتقد أن الوقت قد حان ـــ ليس لاستنساخها أو تقليدها- وإنما للتركيز على جانبين مهمين: الأول، التفاعل معها وفق استراتيجيات تنموية واضحة، والثاني، الاهتمام بمتابعة الممارسات التقنية التي تقودها هذه الشركات، فليس من المنطق أن نتأخر ثم نزيد الطين بلة بمحاولة اختراع العجلة من جديد.
ذكر تقرير منشور على صفحات "الاقتصادية" الأربعاء السابع من كانون الأول (ديسمبر) 2016 على صفحات إصدار "الفاينانشيال تايمز" الخاص بـ "الاقتصادية" إفصاح أمازون العلني عن توجهها الجدي نحو تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ماذا يعني هذا؟ يعني وجود عمل حقيقي في البحث والتطوير والفهم والتفاعل المجتمعي يجعل أمازون في صف الإمبراطوريات التقنية التي تقدم الحلول الإبداعية، التي تربط بين الآلة والإنسان، بين الكمبيوتر وحاجاتنا كل يوم. وهذا تماما ما تقوم به "جوجل" و"مايكروسوفت" وغيرهما الآلاف من الشركات التقنية الأخرى. يتحدث التقرير كذلك عن خدمات الحوسبة السحابية التي ترسخ فيها أمازون أقدامها بشكل أقوى بعد أن تعاملت معها لفترة غير قصيرة نسبيا، ولكنها تعيد تقديمها اليوم بشكل أكثر تقدما لخدمة المبرمجين والمستفيدين من التقنية حول العالم.
بعيدا بعض الشيء عن أمازون، تخيل أنك تبحث عن أفضل المهرة لتقديم خدمات شخصية مرتبطة بالبرمجيات مثل التصميم، أين ستجدهم؟ ربما ستذكر معظم الإجابات الهند. لكن هناك منافسا شرسا يتفوق حتى على مبرمجي الهند في بعض المهارات وربما في الجودة، وهي دول شرق أوروبا. تنافس دول مثل أوكرانيا والتشيك الهند في توريد التقنية IT outsourcing وستظهر لك دول مثل ليتوانيا إذا كنت تبحث عن مصممي الأنيميشن (الرسومات المتحركة على الكمبيوتر) والتصميم الداخلي التقني. لم تتفوق دول الاتحاد السوفيتي السابق وتنافس اندفاع الهند إلا بعد تركيزهم على جانبين مهمين: التوجه الرسمي من حكوماتها للدعم والاستثمار التقني، والتفوق التعليمي العلمي ـــ في الرياضيات مثلا ــــ مقارنة بغيرها من الدول التي تقع في حالتهم الاقتصادية السابقة نفسها.
عندما تقيّم الشركة الأمريكية أو الأوروبية الغربية قرار توريد الخدمات التقنية فإنها تنظر في مجموعة من العوامل، من ضمنها باقة المهارات والخبرات والقرب الجغرافي. من جانب آخر، تشكل ملامح النمو السكاني لدينا فرصا كبيرة من ضمنها على سبيل المثال وجود أسواق حيوية متلهفة للتجربة والاقتناء، يمنحنا موقعنا الجغرافي، إضافة إلى القاعدة السكانية مميزات عديدة. أعتقد أننا لو ركزنا على جانبي التعليم والترفيه، وربما الصحة كذلك، لوجدنا أسواقا إقليمية متعطشة تستطيع استيعاب كثير من المحاولات والجهود. أنا لا أتحدث عن إقامة فعاليات تقنية ترويجية لتطبيقات الجوال ـــ على الرغم من اعتقادي بأهميتها في لفت الانتباه ـــ وإنما عن توجه وطني معلن وشامل للربط بين الممارسات التقنية الحديثة، المبرمجين، وحاجات المجتمع. على الرغم من أن البدء يكون دائما بالتعليم ـــ وخصوصا الرياضيات من وقت مبكر ـــ وعلى الرغم من أن أي توجه مثل هذا يجب أن يكون توجها استراتيجيا، أي سنوات من الإعداد والانتظار، إلا أنني أعتقد أن تصدير السعوديين للتقنية لن يكون أبدا عن طريق المبرمجين السعوديين وحدهم حتى لو انتظرنا لعشرات السنين. لماذا لا نتحرك بطريقة عملية مركزة، بدل أن نحلم باقتصاد معرفي يشكك فيه كثيرون نقوم بتحديد مجال أو اثنين (مثل الصحة أو الترفيه) ونقوم بتوجيه مواردنا نحوها ـــ وموارد الغير كذلك، البشرية والمالية ـــ ونفتح الباب لتطوير الخبرات وجذبها إلى المنطقة. قد تصبح المنطقة حينها أكثر إغراء وحيوية من النواحي التقنية، لتعمل معامل الذكاء الاصطناعي من سان فرانسيسكو، ولتورد الهند وشرق أوروبا خدمات الدعم والتصميم، وليطرح السعوديون التطبيقات المتخصصة في ممارسات حياتية مختارة إلى أن يعرفوا بها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي